top of page

Oliver Twist

النص المترجم باللغه العربية

اُوليفر تويست

الترم الاول

Second Term

الفصل الأول

كان الوقت متأخرا ليلا في إنجلترا أثناء الثورة الصناعية. في ذلك الوقت كانت معظم المدن الإنجليزية تحتاج إلى أشخاص لكي يعملوا في المصانع التي بدأت تفتح في كل أنحاء القطر. أتى الكثير من الناس إلى المدن لكي يجدوا عملا, ولكنهم كانوا غالبا فقراء جدا لدرجة أنه لم يكن باستطاعتهم شراء ما يكفيهم للطعام ولم يكن لديهم أي مكان للنوم. لذلك كانوا يذهبون إلى الملاجئ حيث كانوا يجدون على الأقل سريرا ونوعا من الطعام.في أحد هذه الملاجئ كانت ممرضة عجوز وطبيباً يعملان في حجرة صغيرة مظلمة ينظران إلى وَلد رضيع كان قد وُلد للتو. كان الطفل يجد صعوبة في التنفس. ولم  يعرفا إذا كان الطفل سيعيش. سأل الطبيب الممرضة, "ما اسم والدة الطفل؟" فقالت الممرضة, "لا أعرف. هي وصلت إلى الملجأ الليلة الماضية. كانت مريضة وواهنة عندما وصلت."   عندما بكى الطفل قالت الأم بوَهن, "هل يمكنني أن أرى طفلي الجديد؟"

 

رَفعت الممرضة الطفل الصغير ورأته الأم للمرة الأولى. قامت بتقبيله برفق على خدّه وابتسمت. ثم ماتت الأم. قالت الممرضة, "يا لها من امرأة مسكينة, إنها جميلة جدا. نحن لن نعرف أبدا من هي." تم اطلاق اسم أوليفر تويست على الطفل. وتم إرساله ليعيش مع الأيتام الآخرين في بيت قديم مجاور. كان الأيتام جميعا أطفالا لأباء شديدي الفقر. تم إعطاء القليل من المال إلى امرأة تُدعى السيدة مان لكي ترعى هؤلاء الأيتام. ولكنها قررت أنها تحتاج إلى بعض من هذا المال لنفسها. ولهذا السبب لم يجد الأولاد أبدا الكثير ليأكلوه. في عيد ميلاده التاسع, كان أوليفر طفلا نحيلا ضعيفا. كان قد قضى حياته كلها في المبنى القديم مع السيدة مان التي لم تكن أكثر شفقة على أوليفر من الأيتام الآخرين. لم يذهب أوليفر إلى المدرسة ولم يكن يعرف العالم خارج المبنى.

في أحد الأيام, زار رجل مهم يُدعى السيد بمبل السيدة مان. كان السيد بمبل أحد المسئولين في الملجأ حيث يوجد الأطفال الأكبر سنا من الأسر الفقيرة الذين كانوا كبارا بما يكفي لكي يعملوا مقابل الحصول على طعامهم. قال السيد بمبل للسيدة مان, "الآن أوليفر في التاسعة من عمره. لا توجد ضرورة لأن تقوموا برعايته. إنه كبير بما يكفي لكي يعمل عندنا في الملجأ."

لم يكن أوليفر حزينا لترك السيدة مان, ولكنه كان حزينا لتركه أصدقائه والمنزل الوحيد الذي كان يعرفه. شعر أوليفربالتعاسة عندما تم إغلاق باب المنزل خلفه. قال له مديرو الملجأ عندما وصل, "لماذا تبكي؟ إنك محظوظ جدا لأنك ستعمل هنا. سنعطيك طعاما وسريرا بدون مقابل." 

كان الملجأ مبنًى كبيرا وباردا. تعرّف أوليفر على الأولاد الأخرين الذين كانوا يتسمون جميعا بالنحافة والضعف مثله. كانوا يرتدون ملابس قديمة والتي كانت واسعة جدا بالنسبة لهم. عمل أوليفر بمشقة في الملجأ مع هؤلاء الأولاد وأدرك سريعا أن حياته لن تصبح أسهل بأي حال من الأحوال.

 

كان سريره غير مريح ولم يكن الطعام كافيا مطلقا. كل ما كانوا يأكلونه هو حساء مائي رقيق القوام. كان الأولاد الذين يعمل معهم دائما جائعون بعد شهور قليلة, كان الأولاد جميعا على حافة الموت جوعا لدرجة أنهم وضعوا خطة. قرروا أنهم لابد أن يحصلوا على المزيد من الطعام, واختاروا أوليفر ليطلب ذلك. في ذلك المساء في القاعة الكبيرة الباردة, انتهى الأولاد من تناول حسائهم المائي المعتاد. ثم نهض أوليفر وسار حتى وصل إلى المدير الذي أعطاهم طعامهم وقال له, "أرجوك يا سيدي, أريد المزيد من الطعام." اشتاط المدير غضبا. لم يسبق لأحد أن طلب المزيد من قبل, فصرخ قائلا, "ماذا قلت؟" كان هناك صمت في الحجرة الكبيرة الأن, وكرر أوليفر طلبه, "أرجوك يا سيدي, أريد بعضا آخر." أمسك المدير ذراع أوليفر بغضب وقاده على الفور إلى مدراء الملجأ وأخبرهم بما قاله أوليفر. قال المدراء, "إذا لم يكن سعيدا بكرمنا, فعليه أن يرحل."

 

وقرروا أن يحبسوا أوليفر في غرفة, ووضعوا رسالة على باب الملجأ تقول أن الملجأ سيعطي خمسة جنيهات لأي شخص سيأخذ الولد بعيدا عنهم. ظل أوليفر في الحجرة الباردة المظلمة لمدة أسابيع. كان يبكي كل ليلة إلى أن يغلبه النعاس, ثم يستيقظ كل صباح ويبدأ في البكاء مرة أخرى. لم يسبق له مطلقا أن شعر بالوحدة بهذه الطريقة. كان يتم إبعاده عن الغرفة عندما يحين وقت الطعام فقط. لم يكن السيد بمبل يريد أيا من الأولاد الأخرين أن يطلبوا مزيدا من الطعام, لذلك, فأثناء تناولهم للطعام كان السيد بمبل يجعل أوليفر يقف أمامهم, ثم يقوم بضربه. كان يحدث ذلك كل يوم, حتى قرأ رجل يُدعى سَوربيري الرسالة الموضوعة على بوابة الملجأ. قرر السيد سَوربيري, صانع التوابيت, أنه بحاجة إلىصبي للعمل وأخبر السيد بمبل أنه من الممكن أن يأخذ أوليفر تويست. كان فصلا جديدا في حياة الولد على وشك البدء. في اليوم التالي, أخذ السيد بمبل أوليفر من الملجأ وسار معه إلى منزل السيد سوربيري. بينما كانا يسيران في الشارع, كان السيد بمبل مندهشا لرؤية أوليفر يبكي, وصاح فيه متسائلا, "لماذا تبكي؟ يجب أن تكون سعيدا لأنه جاءتك الفرصة للعمل مع السيد سوربيري." فقال أوليفر, "أنا سأكون ولدا جيدا, ولكن ليس عندي ..." فسأله السيد بمبل, "ليس عندك ماذا؟" فقال أوليفر بهدوء, "ليس عندي أصدقاء." لم يبالِ السيد بمبل بمشاعر أوليفر. واصلا السير إلى منزل السيد سوربيري, ولكن عندما رأى صاحب العمل الجديد أوليفر, لم يكن سعيدا, وقال شاكيا, "إنه نحيل جدا يا سيد بمبل." وشرح له السيد بمبل قائلا, "إنه نحيل, ولكنه سوف يكبر." قالت زوجة السيد سوربيري, "ولكن إطعامه سيكلفنا أموالا." وأخذت أوليفر للطابق السفلي وأعطته بعض الطعام القديم الذي لم يكونوا قد تناولوه, وقالت له, "الآن خذ قسطا من النوم. أنت لا تمانع في النوم بأسفل في الدكان, أليس كذلك؟ لا يوجد مكان آخر لتنام فيه في بيتنا."

 

 

كان أوليفر وحيدا في حجرة غريبة مظلمة ومحاطا بتوابيت لم يكتمل صنعها. لم تكن الحجرة أفضل كثيرا من الحجرة التي كان ينام فيها في الملجأ. لم يكن من السهل عليه أن ينام. في الصباح التالي, استيقظ أوليفر على صوت شخص ما يركل باب الدكان. فتح أوليفر الباب ورأى ولدا طويلا أنفه حمراء اللون ويأكل بعض الخبز. قال الولد, "أهلا, أنا نوح كلايبول." ثم استمر في كلامه وهو يمشي إلى داخل الدكان كما لو كان يعيش هناك قائلا, "أنت قادم من الملجأ, أليس كذلك؟ أنا أساعد السيد سوربيري. أنت تفعل ما أقوله لك يا صبي الملجأ. الآن افتح دُرف الدكان." قال ذلك آمرا وأعطى أوليفر ركلة صغيرة ليتأكد أنه عرف من هو السيد.

نادت مدام سوربيري على نوح وطلبت منه أن يجلس بجوار المدفأة لكي يتناول بعض الإفطار. وأعطت أوليفر قليلا من الخبز وطلبت منه أن يأكله بأسفل. كان الجو باردا لدرجة التجمد هناك. تساءل أوليفر, "لماذا لا أستطيع الحصول على إفطارا جيدا مثل نوح؟" ولكن لم يكن هناك أحدا حتى يسمعه. عمل أوليفر مع السيد سوربيري على مدار الشهور القليلة التالية. أوليفر لم يكن يحب هذا العمل, ولكن كان يبدو أن السيد سوربيري مسرورا من أوليفر. وهذا, رغم ذلك, لم يسعد نوح كلايبول, الذي كان يُطلب منه أن يعمل داخل الدكان عندما كان يخرج أوليفر مع السيد سوربيري.ذات يوم, بعد العمل, كان الولدان بمفردهما في الدكان. قال نوح, "ما الذي حدث لأمك يا صبي الملجأ؟" فقال أوليفر بهدوء, "الممرضة قالت أنها ماتت بسبب انفطار قلبها حزنا." فقال نوح ضاحكا, "أنا سمعت أنها ماتت في الملجأ لأنها لم تكن تصلح لأي شيئ." فصرخ أوليفر وهو يشعر بالخجل والغضب معا قائلا, "ماذا قلت؟" فصرخ نوح بقسوة قائلا, "أنا سمعت أنها لو لم تمُت لكانوا قد عاقبوها." فنهض أوليفر وبدأ يضرب نوح بعنف. فصاح نوح قائلا, "النجدة, إنه يقتلني." فجرى السيد سوربيري وزوجته وجذبا أوليفر بعيدا عن نوح.

قال السيد سوربيري وزوجته لنوح, "ساعدني لكي نحبسه بالداخل هنا" وقاموا بجذب أوليفر إلى داخل مخزن مظلم وأغلقوا الباب. قالت مدام سوربيري لنوح, "أيها الفتى المسكين. يجب أن نحضر السيد بمبل على الفور." عندما سمع السيد بمبل ما حدث, أسرع إلى منزل السيد سوربيري وطرق على الباب المؤدي للمخزن ونادى بصوت مرتفع, "يا أوليفر, هل تعرف من الذي يتحدث؟" فقال أوليفر, "نعم" فاستمر بمبل بصوت تهديدي قائلا, "ألست خائفا يا أوليفر؟" فرد أوليفر, "لا", فنظر السيد بمبل إلى السيد سوربيري مندهشا ثم قال, "أنا أفهم المشكلة. أنتِ قمتِ بإعطائه كثيرا جدا من اللحم يا مدام سوربيري. لقد كنتِ عطوفة عليه أكثر من اللازم." ثم قال ناصحا, "اتركيه في هذا المخزن بدون طعام لبضعة أيام, وأطعميه الحساء فقط."

في تلك الليلة, في المخزن البارد, حاول أوليفر أن يبكي حتى يغلبه النعاس مرة أخرى, ولكنه كان يشعر بالغضب الشديد لدرجة أنه لم يستطع النوم. عندما كان المنزل هادئا, ذهب إلى الباب وأدرك أنه لم يكن مغلقا بالمفتاح. فانتظر حتى أول ضوء وفتح الباب بهدوء. لم يكن أي شخص مستيقظا وكان من السهل عليه أن يغادر المنزل دون أن يدرك ذلك أحد. كان يعرف أنه لن يستطع البقاء في ذلك المكان بعد الأن. فحياته كانت لا تطاق. حان الوقت بالنسبة له ليهرب.

في البداية, كان أوليفر حريصا على الاختباء كلما رأى أشخاصا في الشارع معتقدا أنهم يريدون أن يعيدوه مرة أخرى إلى السيد سوربيري. ولكنه هدأ بعد سويعات قليلة. بالتأكيد لا يوجد أحد يتتبعه الأن. رأى أوليفر لافتة تقول, "لندن تبعد 70 ميلا". لم يعرف كم ستستغرق هذه المسافة منه ليقطعها سيرا على الأقدام, ولكنه قرر أن لندن ستكون مكانا مناسبا بالنسبة له للذهاب إليه. حتى السيد بمبل لن يتمكن من العثور عليه في هذه المدينة العظيمة التي سمع عنها والتي يوجد بها فرصا كثيرة بالنسبة له. تتبع أوليفر اللافتات باتجاه لندن لمدة سبعة أيام. كان ينام في الحقول ويأكل القليل جدا. وعلى الرغم أن عددا قليلا من الأشخاص العطوفين أعطوه طعاما, إلا أنه شعر بالجوع والوهن. وأخيرا, جلس ليستريح في الشارع في قرية صغيرة. جاء ولد فقير في نفس عمره تقريبا, وكان يرتدي معطف رجالي وقبعة طويلة, وجلس بجوار أوليفر. قال الولد, "تبدو جائعا, إلى أين أنت ذاهب؟" فردّ أوليفر, "أنا ذاهب إلى لندن." فسأله الولد, "هل لديك غرفة هناك؟ أو هل تملك أي نقود؟" فقال له أوليفر أنه لا يمتلك أي شيئ تقريبا. فقال الولد بسعادة, "حسنا, أنا أعرف رجلا سيقدم لك عملا وحجرة بلا مقابل. أنا اسمي جاك دوكنز, بالرغم أن أصدقائي ينادونني باسم المراوغ البارع." كان يبدو أن جاك طيبا. قام بشراء وجبة طعام لأوليفر ثم أخبره أنه بإمكانه أن يدله على الطريق إلى لندن ولكن عندما يحل الظلام. 

 

لم تكن المسافة إلى لندن بعيدة جدا, ولكن المدينة لم تكن كما توقعها أوليفر. أخذ جاك أوليفر إلى شوارع أكثر فقرا وأكثر قذارة من التي رآها من قبل, وفكر أنه ربما عليه أن يهرب مرة أخرى. ثم وصلا أمام منزل قديم, وعندما نادى جاك بصوت عالٍ, فُتح باباً ودخلا. قاده جاك إلى حجرة خلفية كبيرة ومظلمة يوجد بها مدفأة في أحد الأركان. بجوار المدفأة, كان هناك رجل عجوز دميم ذو شعر أحمر يقوم بطهي شيئ ما في مقلاةٍ كبيرة. وكان هناك أربعة أو خمسة أولاد يجلسون على أسرّة قديمة حول المدفأة. قال جاك, "هذا هو أوليفر" وعلى الفور نهض الأولاد وبدأوا يأخذون الأشياء القليلة التي كانت مع أوليفر. ضحك الرجل العجوز وقال, "أنا فاجن. إجلس وتناول بعض الطعام."  جلس أوليفر بجوار المدفأة وتناول الطعام, ثم غلبه النعاس دون أن يشعر بذلك. عندما استيقظ, كانت الحجرة هادئة, ورأى فاجن يجلس إلى منضدة ويأخذ بعض الأشياء من صندوق خشبي. كان فاجن ينظر بعناية إلى ساعة ذهبية وبعض المجوهرات الثمينة قبل أن يعيدهم ثانيةً إلى الصندوق. ثم نظر إلى أوليفر, وعندما رأى أنه كان مستيقظا, قفز واقفا وأغلق الصندوق الخشبي بسرعة. وصاح قائلا, وقد أخذ سكينا في إحدى يديه, "ماذا رأيت؟" فقال أوليفر بخوف, "لا شيئ يا سيدي. هل يمكنني أن أنهض الأن؟" فقال فاجن وقد أنزل السكين مرة أخرى, "نعم, بالطبع." هدأ أوليفر ونظر حوله في الغرفة, وفكر أن هذا السيد النبيل لابد وأنه بخيل حتى يعيش في مثل هذا المكان القديم ومعه كل هذه المجوهرات وكل هذه الساعات الكثيرة. وفكر أن فاجن ربما كان يستخدم كل هذه الأموال لكي يعتني بالأولاد. في هذه اللحظة, وصل جاك دوكنز مع ولد يُدعى تشارلي بيتس. قال فاجن عندما رآهما, "آمل أن تكونا قد ذهبتما للعمل هذا الصباح يا أولاد." فقال جاك, "لقد كنا نعمل بجد" فقال له فاجن, "حسنا, ماذا أحضرتما؟" فأظهر له جاك بعض الأجندات, فنظر لهم فاجن بعناية, ثم قال لأوليفر, "إنهم مصنوعين بشكل جيد, أليس كذلك؟" فأجاب أوليفر, "نعم صناعتهم جيدة تماما." فوجد فاجن والأولاد أن ذلك شيئ مضحك جدا, على الرغم أن أوليفر لم يفهم السبب. وبعد ذلك, أظهر تشارلي بعض المناديل الحرير لفاجن الذي قال, "إنهم من نوع جيد, ولكن توجد عليهم علامات, يمكننا أن نعلم أوليفر كيف ينزع هذه العلامات." فقال أوليفر, "شكرا لك يا سيدي." فضحك تشارلي مرة أخرى وقال, "الولد صغير جدا للغاية." ثم قال فاجن, "دعونا نتناول الإفطار, ثم نعلم أوليفر لعبتنا الصغيرة."  عندما فرغوا من الطعام, وضع فاجن ساعة في أحد جيوبه, ووضع أجندة في جيب آخر, ومحفظة في جيب ثالث. ثم تمشّى في الحجرة متظاهرا بأنه ينظر إلى فترينات المتاجر. كان أوليفر يرى أن هذه اللعبة فكاهية جدا. جاك وتشارلي اقتربا جدا من فاجن, وبدون أن يلاحظ أوليفر, كانت الساعة والأجندة والمحفظة بين أيديهما. قال فاجن, "جيد جدا. الآن قم أنت بالمحاولة يا أوليفر." فسار أوليفر خلف فاجن وأخذ منديلا من جيبه, وتساءل فاجن, "هل اختفى المنديل؟" ثم صاح قائلا, "أحسنت, أنا لم أشعر بأي شيئ. أنت ولد ماهر. إنك ستكون ناجحا تماما مثل المراوغ البارع." لم يفهم أوليفر كيف أن أخذ المناديل من الممكن أن يجعلك ناجحا, ولكن لأن الرجل العجوز كان عطوفا وأعطاه طعاما, فهو لم يشك في نصيحته.

 

بعد أيام قليلة من ممارسة اللعبة, أخبر فاجن أوليفر أنه أصبح جاهزا للذهاب إلى شوارع لندن مع تشارلي والمراوغ البارع. وبعد بضع ساعات, وجد أوليفر نفسه في أحد شوارع لندن الغريبة مع صديقيه الجديدين. أشار المراوغ البارع إلى أحد السادة النبلاء الذي كان يقرأ كتابا خارج إحدى المكتبات, وقال لتشارلي, "أنظر, إنه صيد ثمين." شاهد أوليفر الولدين يسيران بهدوء خلف الرجل النبيل وأخذا بحذرٍ منديلا من جيبه. أدرك أوليفر فجأة لماذا كان فاجن يمتلك ساعات ومناديل حرير كثيرة جدا وكذلك الكثير من المجوهرات. فالأولاد كانوا لصوصا. قبل أن يعرف ما الذي يحدث, استدار الرجل وصاح بصوت عالٍ قائلا, "أمسكوا به, اللص" فبدأ أوليفر يجري هاربا, ولكن كان الجميع في الشارع يشيرون نحوه وينادون, "إقبضوا عليه, إنه لص." وفجأة سقط أوليفر على الأرض ووقف جَمع من الناس من كل مكان حوله. أحد الأشخاص تساءل, "هل هذا هو الولد؟" فقال الرجل, "نعم, إنه هو" ورآه أوليفر ينظر إلى أسفل نحوه. قال الرجل, "الولد المسكين مصاب." وفي هذه اللحظة وصل رجل شرطة وأمر أوليفر أن ينهض. بكى أوليفر قائلا, "لست أنا الذي فعلتها." فقال الشرطي, "آه, نعم, إنه أنت." واقتاد أوليفر في الشارع بغلظة, وسار خلفهم حتى قسم الشرطة مجموعة الأشخاص والرجل النبيل.  

 

 

قال الرجل النبيل عندما تم احتجاز أوليفر في إحدى الحجرات, "لا أعتقد أنه هو الذي فعلها." فقال له ضابط شرطة, "لا تقلق يا سيدي, سوف يُعرض على قاضي التحقيق حالا, وهو سوف يقرر الأمر." كان النبيل, الذي يُدعى السيد براونلو, متحيرا, أين رأى هذا الولد من قبل؟بعد ذلك بمدة قصيرة, تم استدعاء أوليفر ليقابل قاضي التحقيق. عندما سمع القاضي ما حدث, تقرر بسرعة أن أوليفر يجب أن يذهب إلى السجن. عندما سمع أوليفر الخبر, شعر بالإعياء وسقط مغشيا عليه, وتم حمله إلى خارج الحجرة.

كان القاضي على وشك أن يصرف الناس إلى بيوتهم عندما ظهر فجأة صاحب المكتبة الذي قال للقاضي, "هذا الولد لم يكن هو الفاعل, ولكن ولدان آخران." وشرح قائلا, "هو كان معهم, ولكنه لم يأخذ أي شيئ. أنا رأيت الولدين الآخرين يهربان." فقال القاضي, "لماذا لم تخبرني بهذا من قبل؟ أطلقوا سراح الصبي وتوقفوا عن إضاعة وقتي."بينما كان السيد براونلو يغادر المبنى, رأي أوليفر راقدا في الشارع بالخارج, فقال, "أيها الولد المسكين, فلينادي أحدكم على عربة, يجب أن يأتي معي إلى البيت." تم وضع أوليفر بعناية داخل عربة ونُقل إلى منزل السيد براونلو, ولكنه لم يتذكر الرحلة.كان أوليفر مريضا جدا, وظل نائما لأيام طوال في سرير دافئ ومريح في منزل السيد براونلو الكبير في أحد المناطق الجيدة في لندن. وعندما استيقظ أخيرا قال, "ما هذه الغرفة؟"

 

 

ظهرت سيدة عجوز بسرعة وابتسمت لأوليفر قائلة, "يجب أن تكون هادئا وإلا فإنك ستمرض مرة أخرى." قالت السيدة التي كانت تعتني بالمنزل وتُدعى مدام بيدوين,  "استلقي, من فضلك." لذلك ظل أوليفر ملازما الفراش, ومرت عدة أيام قبل أن يصبح بصحة جيدة تمكنه من النزول للطابق السفلي. مشى أوليفر ببطء إلى داخل حجرة جميلة ورأى السيد براونلو يبتسم له وقال, "صحتك تبدو أفضل قليلا." ثم بدت عليه الحيرة مرة أخرى, وقال وهو يشير إلى لوحة لإمرأة جميلة على الحائط فوق رأس أوليفر, "ولكن ما هذا؟ أنظر هناك." كان أوليفر مذهولا, فقد رأى أن العينان والرأس والفم تقريبا تتطابق مع عينيه ورأسه وفمه. بعد أن تم اصطحاب أوليفر بواسطة رجل الشرطة, جرى تشارلي والمراوغ البارع عائدين إلى المنزل القديم. كان فاجن غاضبا جدا عندما سمع ما حدث لأوليفر لدرجة أنه قذف تشارلي بفنجان من القهوة. قال شخص بصوت جهير, "توقف عن اهدار القهوة الجيدة." فالتفت فاجن ورأى رجلا تبدو على ملامحه الغضب وله أكتاف كبيرة قوية والذي صاح قائلا, "ماذا تفعل يا فاجن؟" فقال فاجن, "أنا آسف يا بل, ولكن عندنا مشكلة." وشرح للسيد سايكس, أو بل كما يناديه فاجن, ما حدث لأوليفر قائلا, "من المحتمل أن يخبر أوليفر البوليس عن مكاننا وعن نشاطنا." فقال السيد سايكس, "نحن نحتاج أن نتحدث معه بسرعة." واقترح قائلا, "البوليس لا يعرف نانسي, لذا فمن الممكن أن تذهب وتكتشف ما الذي حدث." كانت نانسي امرأة شابة تعمل مع السيد سايكس. قامت بارتداء أفضل ثيابها وانطلقت باتجاه قسم الشرطة, ولكن عندما وصلت إلى هناك أخبروها أن أوليفر كان قد انصرف. وعندما عادت قالت لفاجن, "أخبرني ضابط شرطة أن أوليفر ذهب إلى مكان ما في عربة مع رجل نبيل يُدعى السيد براونلو." وعندما سمع فاجن هذا النبأ, صاح بصوت عال قائلا, "يجب أن نكتشف مكانه قبل أن يخبر الجميع عنا." ثم قام بإعطاء نانسي والمراوغ البارع بعض المال وقال لهما, "اذهبا واعثرا على أوليفر. لا تتوقفا حتى تعثرا عليه, لا تتوقفا حتى ولو لدقيقة واحدة."

عندما استيقظ أوليفر  في اليوم التالي, وجد أن لوحة المرأة التي على الحائط قد اختفت. قالت له مدام بيدوين, "نحن قمنا بإنزال الصورة لأنها تبدو أنها سببت لك قلقا." فقال أوليفر محتجا, "ولكنني كنت أحبها" فقالت له مدام بيدوين, "إذاً, تماثل للشفاء يا أوليفر ويمكننا حينئذ أن نعيدها مرة أخرى." بعد بضعة أيام, عندما أصبح أوليفر تقريبا بصحة جيدة بشكل تام, قام السيد براونلو بشراء بعض الملابس الجديدة له. وفي أحد الأيام بعد ذلك, جلس مع أوليفر وسأل الولد عن حياته. بدأ أوليفر يحكي للسيد براونلو عن الفترة التي قضاها في الملجأ, ولكن فجأة كان هناك طرق على الباب. ودخل إلى الحجرة رجل نبيل كبير سنا يرتدي معطفا أزرق اللون. فقال السيد براونلو, "يا أوليفر, أقدم لك صديقي السيد جريمويج." قال الرجل عندما رأى أوليفر, "مرحبا, هل هذا هو الولد الذي أخبرتني عنه؟" فقال السيد براونلو, "نعم", ثم بدأ يحكي للسيد جريمويج كل شيئ عن أوليفر.لم يكن السيد براونلو قد انتهى تماما من وصف حياة أوليفر عندما دخلت مدام بيدوين إلى الحجرة ومعها بعض الكتب, ثم قالت, "علينا أن ندفع ثمن هذه الكتب الجديدة يا سيد براونلو." قال السيد جريمويج, "إرسل الصبي ليدفع ثمنهم." فقال أوليفر, "نعم, أرجو أن تسمح لي بأن أساعدك يا سيدي." فقال السيد براونلو, "ها هي خمسة جنيهات. خذ النقود واذهب إلى المكتبة. أنا أحتاج جنيها واحدا باقي المبلغ. يجب إعادة بعض الكتب أيضا."كان أوليفر في غاية السعادة لمساعدة السيد براونلو. قام بأخذ النقود ووضع الكتب تحت إبطه ثم غادر.     سأل السيد جريمويج, "هل تعتقد حقا أنه سيعود؟" فقال السيد براونلو, "بالطبع, ألا تعتقد ذلك؟"

 

فقال السيد جريمويج, "إنه يمتلك ثيابا جديدة وبعض الكتب وخمسة جنيهات. سيذهب الصبي مباشرة إلى أصدقائه اللصوص ولن يعود أبدا." فقال السيد براونلو, "أنا متأكد أنه سيعود بسرعة." ولكنه بدا قلقا.كان أوليفر مستمتعا بالتمشية إلى المكتبة عندما قامت امرأة غريبة بجذبه فجأة من ذراعه قائلة, "أخيرا وجدتك. لقد وجدته." فصاح أوليفر مندهشا, "لماذا توقفينني؟ اتركي قبضة يدي." بدأ بعض الناس في الشارع ينظرون إليهما, ففسرت المرأة لهم الأمر قائلة, "لقد هرب من المنزل. أنا أعيده إلى أمه وأبيه." ثم ظهر رجل بدا أنه يعرف المرأة وقال, تعال معي يا أوليفر, أيها الولد الشقي."  لم يكن أوليفر قويا بما يكفي لكي يستطيع الهرب, وتم اقتياده بعيدا بواسطة الرجل, الذي كان السيد سايكس, والمرأة التي كانت نانسي. 

تم اقتياد أوليفر بهذه الطريقة لمدة نصف ساعة عبر شوارع مزدحمة حتى وصلوا إلى دكانا قديما. تم إدخال أوليفر إلى هناك حيث رأى فاجن وتشارلي والمراوغ البارع. عندما رأى الأولاد أوليفر بدأوا يضحكون. قال تشارلي ضاحكا, "أنظروا إلى ملابسه وكتبه, ياله من رجل نبيل." وقال فاجن, "يجب أن نعطيك ملابس مختلفة حتى لا تتسخ هذه الملابس." وقال السيد سايكس وهو يأخذ النقود من جيب أوليفر, "وأنا سآخذ هذه الورقة فئة الخمسة جنيهات نظير المتاعب التي تكبدناها. تستطيع أن تأخذ الكتب يا فاجن." فقال أوليفر, "أرجوكم, أعيدوا الكتب والنقود إلى السيد براونلو. لقد كان عطوفا عليّ جدا وهو سيعتقد أنني سرقتهم." فضحك فاجن قائلا, "معك حق, يا أوليفر, إنه سوف يعتقد أنك سرقتهم."

 

حاول أوليفر أن يهرب ولكن السيد سايكس أمسك به بقوة وبدأ يضربه بعصا, فصرخت فيه نانسي قائلة, "لا تفعل هذا في الولد, إنه بالفعل لص مثلي. أنت حصلت على النقود, اتركه بمفرده وإلا سأبلغ البوليس." بدا السيد سايكس مندهشا ولكنه توقف عن ضرب أوليفر, ثم قال بغضب, "خذوا ملابسه واحبسوه في إحدى الغرف." تم احتجاز أوليفر في الغرفة حتى منتصف اليوم التالي عندما سمح له فاجن بالخروج. وذكّره فاجن كم كان عطوفا عليه عندما وصل إلى لندن. كما أخبره أنه إذا قال أي شيئ للبوليس فإن الأمور لن تكون على ما يرام بالنسبة له.  بعد عدة أيام من إعادة أوليفر إلى منزل فاجن, كان السيد بمبل في لندن في نفس اليوم الذي ظهر فيه إعلانا بإحدى الجرائد. طلب الإعلان أية معلومات يمكن أن تكون لدى الناس عن ولد مفقود يُدعى أوليفر تويست. قرأ السيد بمبل ذلك باهتمام, ثم سأل الناس عن كيفية الوصول إلى منزل السيد براونلو. عندما وصل إلى هناك, أخبره بكل ما يعرفه عن الولد السيئ والعنيد الذي يعرفه جيدا. فقال السيد جريمويج, "أنا قلت لك أنه ولد سيئ." فقال السيد براونلو, "للأسف, أنت كنت على حق. أنا لا أريد أن أسمع هذا الاسم مطلقا مرة أخرى."  في أحد الأيام في منزل فاجن, طلب المراوغ البارع من أوليفر أن ينظف له حذائه. لم يكن أوليفر يحب القيام بهذه الأعمال, ولكنه على الأقل كان يجد أشخاصا ليتحدث إليهم. قال له المراوغ البارع, "لماذا لا تنضم إلى عصابتنا؟ خذ أشياءا وسوف تكون غنيا. لو لم تأخذ ساعات الأشخاص, فسوف يأخذها شخص آخر."

 

فقال أوليفر, "أنا أفضل العودة إلى منزل السيد براونلو." فقال له تشارلي, "لن يعجب ذلك فاجن, فهو يرتب لك شيئا ما."

وبالفعل, في نفس الوقت في منزل آخر في لندن, كان فاجن يخطط لشيئ ما مع السيد سايكس بخصوص أوليفر. وكان سيفعل أكثر من أخذ ساعات الناس. قال له السيد سايكس, "نحن نحتاج إلى ولد لكي يساعدنا في الدخول إلى منزل كبير في الريف." فقال فاجن, "إذن, استفد من أوليفر. فهو سيكون مناسب تماما لهذه المهمة. تستطيع نانسي أن تحضره إلى منزلك هذه الليلة."

لم يتوقع أوليفر أن يرى نانسي عندما وصلت إلى منزل فاجن ذلك المساء. قالت له نانسي, "يجب أن تأتي معي إلى منزل السيد سايكس." فسألها أوليفر, "لماذا؟" فقالت له, "من الأفضل ألا تسأل." وعندما نظرت إليه لاحظت أنه كان قلقا, فقالت له, "انتبه لما سأقوله, أنا أيضا لست سعيدة بذلك. لقد حاولت مساعدتك, ولكن دون جدوى. وسوف أحاول وأساعدك مرة أخرى, ولكن ليس الآن هو الوقت المناسب. تعال معي الآن." لذلك لم يكن لدى أوليفر خيارا آخر, وسار خلف نانسي حتى منزل السيد سايكس.   في الصباح التالي بعد تناول الإفطار, أخذ السيد سايكس أوليفر من يده, وبدأت رحلتهما في صباح بارد ملبد بالغيوم. سافرا طوال اليوم, أحيانا كانا يسيران على الأقدام وأحيانا يركبان عربة. كان قد حلّ الظلام عندما وصلا أخيرا إلى منزل قديم في مكان ما في الريف. لم يطرق السيد سايكس على الباب ولكنه فتحه ودخلا إلى المنزل. قال صوت أحد الأشخاص, "السيد سايكس" فرفع أوليفر بصره ورأى رجلا شعره طويل, والذي طلب منه أن يجلس بجوار المدفأة. قال السيد سايكس, "مرحبا يا توبي كراكيت. هذا هو الولد الذي يمكن أن يساعدنا هذه الليلة." فقال توبي, "حسنا, دعونا نستريح الآن بجوار المدفأة." كانت النار تبعث على الدفء, وكان يوما طويلا, لذلك بدأ أوليفر يغلبه النعاس.

 

في الواحدة والنصف صباحا, أيقظ السيد سايكس أوليفر من نوم عميق. شاهد أوليفر السيد سايكس وتوبي وهما يلتقطان بندقية لكل منهما, ثم طلبا منه أن يذهب معهما. غادروا المكان الدافئ بجوار المدفأة وخرجوا في ليلة مظلمة. ثم ساروا لبعض الوقت عبر الريف. كان الجو باردا ولم يكن أوليفر يعرف أين كانوا. أخيرا, توقفوا بجوار سور عالٍ من الطوب. قال توبي آمرا أوليفر, "تسلق." فتبعه أوليفر إلى أعلى على السور. من فوق السور, استطاع أوليفر أن يرى منزلا كبيرا أمامه, وفهم أخيرا ماذا كانوا ينوون عمله. إنهم كانوا ينوون السطو على المنزل. صاح أوليفر قائلا, "لا, أرجوكما. لا تطلبا مني أن أفعل ذلك." فقال سايكس مهددا, "اصمت. نفّذ ما آمرك به وإلا ستكون هناك مشاكل." وأشار إلى بندقيته ليتأكد أن أوليفر فهم ما هي المشاكل التي قد تحدث. سار أوليفر خلف اللصين وهما يعبران الحدائق إلى أن وصلوا إلى نافذة صغيرة في أسفل المنزل. كانت النافذة صغيرة جدا بالنسبة لشخص بالغ ليتسلق من خلالها, ولكنها لم تكن صغيرة جدا بالنسبة لطفل. قاما بكسر وفتح النافذة بسهولة وأصبح هناك الآن مكانا صغيرا لأوليفر ليدخل منه إلى داخل المنزل.قال السيد سايكس لأوليفر, "خذ هذا الكشاف واصعد للطابق العلوي, عندئذ يمكنك أن تفتح لنا الباب الرئيسي." وقاما بدفع أوليفر عبر الفتحة التي في النافذة, وبدأ أوليفر يمشي إلى داخل المنزل المظلم. فجأة سمع أوليفر شخص ما داخل المنزل يصيح بشيئ ما. ثم كان هناك صوت طلق ناري عالي الصوت. صاح السيد سايكس قائلا لأوليفر, "عُد مرة أخرى." وأخذ ذراع أوليفر وجذبه للخارج من خلال الفتحة التي في النافذة. سأل توبي, "ما الذي حدث؟" فقال سايكس, "تم اطلاق الرصاص على الولد. أسرع, اركض."

جرى توبي كراكيت والسيد سايكس طوال الليل بعد عملية السرقة. ولكي يجعلا الأمر أكثر صعوبة على أي شخص كان يلاحقهما, قررا أن يجري كل منهما إلى مكان مختلف عن الآخر, فبقي السيد سايكس في الريف, بينما ذهب توبي كراكيت إلى لندن ليقابل فاجن. عندما أخبر توبي فاجن أن عملية السرقة لم تكن ناجحة, لم يُسعد ذلك فاجن على الإطلاق. قال فاجن لتوبي, "ولكن أين الولد؟" فقال توبي, "بعد أن أطلق عليه الرصاص, قمنا بحمله عبر بعض الحقول ولكن كان بعض الأشخاص يطاردوننا, فتركناه هناك, في أحد الحقول." شعر فاجن بالقلق الشديد عند سماع هذه الأخبار, فقام بزيارة منزل السيد سايكس, ولكن لم يكن لدى نانسي أية أخبار عن السيد سايكس أو أوليفر.  عندما عاد فاجن, كان بانتظاره خارج المنزل رجل طويل ذو شعر أسود وعينين سوداوين وكان يتلفت حوله بقلق كما لو أنه يظن أن هناك أشخاصا يطاردونه. كانت تبدو القسوة على ملامحه. قال له فاجن, "أهلا يا مونكس, تعال إلى داخل المنزل." وأخذه فاجن إلى حجرة هادئة في منزله وأخبره بما حدث, فصاح مونكس قائلا, "هذه العملية لم يتم التخطيط لها جيدا, لماذا لم تحتفظ بالولد مع عصابتك؟" فشرح له فاجن قائلا, "كانت هناك مهمة لدى السيد سايكس ليقوم بها الولد, كما أنك يجب أن تكون سعيدا لأنني وجدته." فسأله مونكس, "كيف سيكون الحال لو مات الولد؟ سوف يبحث البوليس عنا."   ولكن أوليفر لم يكن ميتا, لقد كان فقط مغشيا عليه, وعندما أفاق, وجد نفسه في الحقل البارد الذي كان السيد سايكس وتوبي كراكيت قد تركاه فيه. كان ذلك في الصباح وكانت الأمطار تنهمر بشدة. كانت ذراعه قد أصيبت إصابة بالغة, وكان واهنا للغاية لدرجة أنه وجد صعوبة في الوقوف على قدميه. سار ببطء باتجاه المنزل الذي زاره في الليلة السابقة, وبعدها بعدة دقائق, قام بالطرق على الباب. كان هناك خادمان يُدعيان السيد بريتلس والسيد جايلس يحكيان للطباخ عن عملية السرقة التي حدثت ليلا وكيف أنهما قاما بمطاردة اللصوص. عندما سمعوا الطرق على الباب, أصابتهم الدهشة, وقام السيد بريتلس بفتح الباب وهو قلق.  عندما وقع بصرهما على أوليفر, صاح بريتلس قائلا, "ها هو اللص." وأمسك بذراع أوليفر بسرعة (لحسن الحظ كانت الذراع غير المصابة). ذهب جايلس ليخبر السيدة صاحبة المنزل, السيدة مايلي عما حدث, وقال لها مفتخرا, "لقد أمسكنا باللص الذي أطلقتُ عليه الرصاص." فقالت روز, وهي فتاة جميلة في ربيعها السابع عشر, وكانت تعيش مع السيدة مايلي, "هل هو مصاب؟ يجب أن نحضر طبيبا على الفور." وقالت السيدة مايلي, "احمله إلى غرفتك بالطابق العلوي يا سيد جايلس." وصل بسرعة طبيبا يُدعى د. لوسبيرن, وقال, قبل أن يذهب لرؤية المريض, أنه مندهش لسماعه خبر عملية السرقة.

 

بعد ساعة تقريبا, عاد الطبيب إلى السيدتين اللتان كانتا تنتظران بصبر في الطابق السفلي. قال لهما الطبيب, "أعتقد أنه يجب أن تأتيا وتشاهدان اللص. لا داعي لأن تكونا خائفتين." صعدت السيدتان إلى حجرة النوم وهما خائفتان. كانتا تعتقدان أنهما سيشاهدان رجلا ضخما وقويا, ولكنهما اندهشتا جدا عند رؤيتهما لولد صغير نائم, وتوجد ضمادة على ذراعه. صاحت روز قائلة, "كيف يمكن لولد كهذا أن يكون مجرما؟" فقال الطبيب بحزن, "من الممكن أن يعيش الشر داخل أي إنسان." قالت روز للسيدة مايلي, "كوني عطوفة عليه يا عمتي. إنه يبدو لا عَوْن له وصغير جدا. لولا كرمك, لربما كنت أنا لا عون لي مثل هذا الطفل الصغير." قال الطبيب, "دعونا ننتظر حتى يستطيع هذا الولد الصغير أن يتحدث إلينا, وعندئذ نستطيع أن نحدد ماذا نفعل بشأنه."    نام أوليفر معظم ذلك اليوم, ولكن فيما بعد, اقترح الطبيب أن تصعد السيدتان إلى حجرته. كان الولد مستيقظا وأراد أن يتحدث إليهم. وأنصتوا عندما حكى لهم أوليفر كل شيئ عن حياته. عندما استمع د. لوسبيرن لقصة أوليفر, أدرك أن الولد المسكين بحاجة إلى المساعدة. ولكن كان الخادمان يعرفان أن الولد كان لصا. فماذا يمكن أن يقول د. لوسبيرن للخادمين؟ قال الطبيب للسيد جايلس وهما يهبطان إلى الطابق السفلي, "أنت أطلقت الرصاص على الولد, أليس كذلك؟" فقال الخادم وهو يبدو قلقا, "نعم يا دكتور. هو لن يمت, أليس كذلك؟ هل سأذهب إلى السجن؟" كانت الآن لدى الطبيب خطة. إذا كان السيد جايلس قلقا أن الولد قد يعرّضه للمتاعب, فربما لن يرغب في إبلاغ البوليس. ولكن هذه الخطة الأولى لم تؤت ثمارها لأن في تلك اللحظة قال السيد بريتلس, "ها هما قد وصلا. إنهما المحققان من لندن. أنا قمت باستدعائهما هذا الصباح." سار رجلان, لهما شعر قصير ويرتديان أحذية كبيرة برقبة, إلى داخل الحجرة. قال واحد منهما, "اسمي المحقق بلاثرز. حدثوني عن السرقة. أنا أعلم أن عندكم ولد هنا, وأنه أحد اللصوص." فقال له الطبيب, "لا, لقد أخطأ أحد الخدم." فسأله المحقق الآخر, ويدعى المحقق دوف, "إذن, من أين جاء الولد؟" فقال الطبيب بسرعة, "دعونا نتحدث عن الولد فيما بعد. تعالا وألقيا نظرة على النافذة التي دخل منها اللصوص." فانصرف المحققان ليقوما بفحص المنزل. 

 

قال الطبيب للسيدة مايلي, "أنا أريد أن أساعد الولد, ولكني لا أعرف ماذا أقول للمحققين." فقالت السيدة مايلي, "اخبرهم بقصة الولد. أنت تصدقه, أليس كذلك؟" فقال لها الطبيب, "أنا أصدقه, ولكن هذا لن يمنع قاضي التحقيق من إدخاله السجن. فهو هرب من المكان الذي كان يعمل فيه, ثم انضم إلى عصابة لصوص وحاول أن يسطو على أحد المنازل." فصاحت روز, "يا إلهي, لماذا أرسل السيد بريتلس في طلب هذين الرجلين؟" وقال الطبيب, "لا يجب أن نخبرهما بقصة أوليفر."   كان المحققان ماهرين في عملهما. فعندما عادا, قال المحقق بلاثرز, "نحن نعتقد أن المجرمين كانوا من المدينة, من الأرجح أنهم كانوا رجلين وولد." وقال المحقق دوف, "نريد أن نرى الولد الذي بالطابق العلوي." لم يكن لدى الطبيب خيارا آخر سوى أن يقود الرجلين إلى حجرة الولد. وبينما كانوا يصعدون إلى الطابق العلوي, فكر الطبيب بسرعة في خطة أخرى. قال د. لوسبيرن للمحققين وهو يعرفهما بأوليفر, "هذا هو الولد الذي أصيب ذراعه بالأمس وجاء إلى هنا طلبا للمساعدة هذا الصباح. وبعد ذلك أمسك السيد جايلس بالولد المسكين معتقدا أنه كان أحد اللصوص." فسأله المحقق بلاثرز, "هل تعني أنه ليس نفس الولد؟" ثم نظر إلى السيد جايلس موجها له سؤالا, "هل قمت بإطلاق الرصاص على هذا الولد أم لا؟" نظر السيد جايلس إلى د. لوسبيرن. كان يعرف أن قصة الطبيب ليست حقيقية. فهل كان الطبيب يحميه من البوليس لأنه أطلق الرصاص على شخص ما؟ قال السيد جايلس, "ربما أكون قد أخطأت." فصرخ المحقق دوف, "إذا لم يكن هو نفس الولد, فلماذا نحن هنا؟" وغادر المحققان في تلك الليلة غاضبين لأنهما لم يقبضا على اللص. وقالا أنهما سيعودان في حالة إذا ما اكتشفوا معلومات أخرى.

 

كان يزور د. لوسبيرن الأسرة كل يوم أثناء مرض أوليفر. وبعد فترة من الوقت, بدأ ذراع أوليفر يتماثل للشفاء, وأراد أوليفر أن يُظهر كم كان ممنونا لهؤلاء الناس العطوفين الذين قاموا بمساعدته. فسأل روز في أحد الأيام قائلا, "هل أستطيع أن أعمل لديكم؟ دعوني أقوم بري الأزهار لكم أو أقوم بعمل أي شيئ يسعدكم." فقالت روز وهي تبتسم, "لا داعي أن تقوم بعمل أي شيئ. إنني محظوظة لأن لي عمة تمتلك من المال ما يكفي لمساعدة أشخاصا مثلك." قال لها أوليفر, "إنني في غاية السعادة لوجودي هنا. سوف يفرح السيد براونلو وأصدقائه عندما يعلمون أنني في أمان هنا." علم د. لوسبيرن بمشاعر أوليفر, وعندما اكتمل شفاؤه تماما, عرض عليه د. لوسبيرن أن يصطحبه بالعربة إلى منزل السيد براونلو. كان أوليفر سعيدا للغاية, فهو كان متشوقا لرؤية الرجل العطوف الذي ساعده في لندن

 

 كان أوليفر يريد أن يشرح له ما حدث لكتبه ونقوده. كانت الرحلة طويلة. عندما وصلوا أخيرا إلى الشارع الذي كان يسكن فيه السيد براونلو, نظر د. لوسبيرن إلى أوليفر وسأله, "ما الأمر؟ تبدو شاحب اللون. هل تشعر بمرض؟" فأشار أوليفر إلى لافتة على باب منزل السيد براونلو, كانت تقول, "تم بيع المنزل." فنزل د. لوسبيرن من العربة وسأل أحد الجيران عما حدث, فقال له الجار, "السيد براونلو انتقل إلى مسكن آخر. ذهب إلى جزر الهند الغربية منذ ستة أشهر." في نفس الوقت تقريبا الذي كان فيه أوليفر عائدا من لندن, كانت تقوم امرأة بصنع فنجانا من الشاي ليساعدها على الإحساس بالدفء. هذه المرأة كانت تُدعى السيدة كورني وكانت تتولى مسئولية الملجأ الذي ولد فيه أوليفر. كان هناك طرقا على الباب, دخلت امرأة فقيرة وقالت, "معذرة يا آنسة كورني. ليس أمام الممرضة سالي وقتا طويلا لتعيشه." فقالت لها السيدة كورني, "وما شأني بهذا؟ أنا لا أستطيع أن أبقيها على قيد الحياة, أليس كذلك؟" فقالت المرأة, "لا, يا آنسة. ولكنها تقول أنها تريد أن تخبرك بشيئ مهم."  لم تكن السيدة كورني سعيدة بترك حجرتها الدافئة لكي تقوم بزيارة المرأة العجوز المريضة في حجرتها الباردة. وعندما شاهدت الممرضة سالي وهي ترقد في السرير, أدركت أنها مريضة بشدة, لذلك صعدت إلى جوارها على السرير. قالت الممرضة سالي بهدوء, "يجب أن أخبركِ بشيئ. عندما كنت صغيرة, كنت ممرضة لامرأة ماتت هنا." فأكدت السيدة كورني كلامها قائلة, "نعم, أنتِ ساعدتِ الكثيرين من الناس هنا." واستطردت الممرضة سالي تقول, "لم يكن الملجأ هو المكان المناسب لها, فهي كانت امرأة غنية لدرجة تُمكنها من دخول مستشفى جيد. أنا سرقت منها قبل مماتها." بدأت السيدة كورني تنظر إلى الممرضة العجوز باهتمام, وسألتها, "ما الذي سرقتيه؟" فقالت الممرضة, "هذه المرأة كانت تمتلك مُدلّاة من الذهب, وطلبت مني أن آخذ الذهب لأعطيه لطفلها, الذي كان يُدعى أوليفر. وطلبت مني أن..." فاقتربت السيدة كورني منها وسألتها, "طلبت منكِ أن تفعلي ماذا؟" ولكن كان قد فات الأوان. ماتت الممرضة العجوز.

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

  • White Instagram Icon

© Copyright 2017 by Mr Ahmed ElMasry.

Contact Us

Tel: +201275988716

Email: MrAhmedElmasry.edu@gmail.com

Address

Aswan Street

Portsaid, Egypt

bottom of page