top of page

النص المترجم باللغه العربية

الترم الاول

Second Term

الفصل الأول

·        قبل أن أبدأ في سرد قصتي, أود أن أخبركم قليلا عن حياتي في مقتبل العمر. أنا ولدت في مزرعة كبيرة في منتصف لندن, وكان ترتيبي الثالث بين خمسة أبناء, وأطلق عليّ أبي اسم ليمويل جليفر. بعد أن أنهيت تعليمي بالمدارس, درستُ في جامعة كامبريدج لمدة ثلاثة أعوام, ثم عملت كمبتدئ تحت التمرين لدى جراحا في لندن. كان هذا الجراح, ويُدعى السيد بيتس, بارعا جدا وعملتُ معه لمدة أربعة أعوام, ولكنني كنت دائما أرغب في السفر, ولذلك تعلمت الإبحار خلال أوقات الفراغ لكي أتمكن في يوم من الأيام من مغادرة إنجلترا واستكشاف العالم.    

·        كان السيد بيتس يعلم كل شيئ عن رغبتي في السفر ولذلك, عندما أنهيت دراستي, ساعدني في الحصول على عمل كجراح على سفينة تسمى سوالو, وعملت لمدة ثلاثة أعوام ونصف لدى القبطان أبراهام بانيل على سفينته أثناء رحلاتها حول البحار الشرقية.

·        عند عودتي إلى إنجلترا التقيتُ بامرأة كريمة تُدعى ماري بيرتون وتزوجنا بعد وقت قصير. قررتُ أن أبقى في لندن مع زوجتي الجديدة لبضع سنوات. بالرغم أن السيد بيتس بذل أقصى جهده لمساعدتي, فإن الحصول على عمل لم يكن بالأمر الهيّن. بعد عام واحد مات السيد بيتس للأسف وكنتُ أعرف أن حياتي ستصبح أكثر صعوبة, فقد كان لدينا من المال ما يكفي فقط ليسدّ رمقنا. قلتُ لماري في أحد الأيام, "إن فرصة العمل في لندن بالنسبة لجراح ضعيفة, ولكن أصدقائي يقولون أنه ينبغي عليّ أن أتمكن من إيجاد وظيفة على إحدى السفن." فكرت ماري طويلا ومليّا ثم قالت, "أنا لا أريدك أن ترحل, ولكن إذا كان هذا هو السبيل الوحيد التي يمكننا من خلاله أن نكسب ما يكفينا للعيش بشكل جيد فليكن."         

·        كان أصدقائي على صواب, لأنني وجدتُ بسرعة وظيفة أخرى كجراح على سفينة. سافرتُ حول العالم خلال ستة أعوام وكسبتُ مبلغا جيدا من المال. ولأن الجراح لا يكون مطلوبا بشكل دائم على سفينة, فقد أتيح لي أيضا الكثير من الوقت لنفسي. لم أضيع هذا الوقت ولكني استخدمته بشكل جيد, فقرأتُ الكتب وعلمتُ نفسي التحدث بلغات عديدة.   

·        تغيرت حياتي بعد أن حصلت على وظيفة جديدة على سفينة تُدعى أنتيلوب. غادرت السفينة إنجلترا في شهر مايو. كنا قد قضينا في البحر نحو شهرين عندما ضربت عاصفة عنيفة السفينة أنتيلوب. وبعدها مباشرة قذفت الرياح السفينة بعيدا عن طريقنا المحدد, ولم نكن نعرف أين مكاننا بالتحديد. كان البحر عنيفا للغاية لدرجة أننا فقدنا بعضا من طاقم سفينتنا حتى قبل أن تتسبب الرياح في ارتطام السفينة فجأة بإحدى الصخور. حدث اصطدام رهيب وأدركتُ أن السفينة كانت في خطر داهم. صاح القبطان قائلا, "إننا نوشك على الغرق, اركبوا قوارب النجاة."

·        صعدتُ بسرعة إلى أحد قوارب النجاة مع خمسة بحّارة آخرين وتمكنتُ من النجاة. ولكن لم يكن الجميع محظوظين, فقد شاهدنا ونحن مرعوبون السفينة أنتيلوب تغرق خلفنا. ولكن بالرغم أننا ظللنا نجدّف لمسافة ما, لم يهدأ البحر. ضربتنا عاصفة عاتية وقذفت بنا جميعا في المياه.

·        كان البحر هائجا وكان من الصعب جدا أن أسبح مرتديا ملابسي الثقيلة, ولكن على الأقل لم تكن المياه شديدة البرودة. نظرتُ حولي وأدركتُ أنني كنتُ بمفردي. لم أعرف ما الذي حدث للبحارة الآخرين. ربما هلكوا جميعا. كانت الرياح والأمواج هي التي تحدد الاتجاه الذي أسبح فيه, وشعرتُ سريعا أنني فقدتُ كل القوة التي في ذراعيّ. في نفس اللحظة تماما التي اعتقدتُ فيها أنني لم أعد قادرا على السباحة لمسافة أخرى, لمست قدماي شيئا صلبا, لقد وصلت لليابسة. عندما صعدتُ أخيرا إلى الشاطئ سيرا على الأقدام, كنت أشعر بالبرودة, وكنت مبتلا ومنهكا. عندما نظرت حولي, لم أشاهد أي منازل أو أشخاص. وجدت بعضا من العشب الناعم, فاستلقيت عليه واستغرقت في نوم طويل.

·        عندما استيقظت, كان الوقت مبكرا في الصباح وكانت الشمس قد بدأت لتوها في الشروق. حاولت أن أنهض واقفا, ولكني وجدت أن ذلك مستحيلا. وأدركت أن ذراعَيّ وساقَيّ بل وحتى شعري كانوا جميعا مربوطين بطريقة ما في الأرض. كانت هناك أحبالا رفيعة مربوطة حول جسدي ورقبتي, ووجدت أن باستطاعتي أن أنظر لأعلى فقط إلى السماء الصافية من فوقي.     

·        سمعتُ بعض الأصوات الصاخبة, ثم شعرت بشيئ ما يتسلق ويصعد على ساقي اليسرى. تحرك هذا الشيئ على جسدي حتى أصبح قريبا من رأسي, وعندها فقط أدركت كينونة هذا الشيئ. لقد كان شخص آدمي, ولكن كان طول هذا الآدمي خمسة عشر سنتيمترا فقط تقريبا. كان يحمل قوسا وسهما. ثم أدركت حينئذ أنه كان هناك حوالي أربعون رجل آخرين لهم نفس الحجم يقفون حولي من كل اتجاه. كانوا جميعا يشبهون بعضهم البعض تماما, وكان كل منهم يحمل قوسا صغيرا جدا وسهما. صرختُ فيهم قائلا, "من أنتم وماذا تفعلون بي؟" عندما سمعوا صوتي, بدا القلق على الرجال صغار الحجم وقفزوا مبتعدين عني, لذلك حاولت أن أنهض واقفا مرة أخرى. قُطِعت بعض الأحبال واستطعت الآن أن أحرك ذراعي الأيسر.  

·        صاح الرجال الصغار قائلين شيئا بلغة غريبة, وشعرت بمئات السهام تضربني. معظم تلك السهام ضربت ملابسي السميكة وبالتالي لم أشعر بشيئ, ولكن بعض السهام غُرزت في يدي اليسرى. كانت السهام متناهية الصغر, ولكن كان عددهم كبير جدا لدرجة أنهم سببوا لي ألما. فصِحتُ قائلا, "هلا توقفتم عن فعل ذلك من فضلكم؟" ولكن عندما استمروا في اطلاق السهام, استلقيتُ هادئا على الأرض وقررتُ ألا أتحرك أو أقول أي شيئ. فكرتُ أنني إذا انتظرتُ حتى وقت الليل سأستطيع استخدام يدي اليسرى لفك الأحبال الأخرى ثم أهرب عندما يحلُّ الظلام.

·        هدأ الرجال الصغار, ربما لأنهم لاحظوا أنني لم أكن أحاول الهروب. بعد ذلك, ازداد اطمئنان هؤلاء الرجال, وبعد ساعة تقريبا, سمعت أصوات تقطيع أخشاب بجواري, وخمنتُ أنهم كانوا يبنون شيئا. وبعد ذلك, تم قطع الأحبال التي حول رأسي, واستطعتُ أخيرا أن أرفع رأسي. رأيت رجلا يقف على منصة خشبية تم بنائها بجانب رأسي. كان الرجل يرتدي ملابس توحي بأنه شخصٌ مرموق, وكان يقف أحد الخدم على كلا جانبيه. نظر الرجل لي وبدأ يقول كلاما, ولكني لم أفهم أي شيئ مما قاله. خمنتُ من تعبيرات وجهه ومن تغيّر طبقات صوته أن حديثه كان مزيجا من التهديدات والتعهدات.   

·        عندما أنهى الرجل حديثه, حاولت أن أتكلم معه بالإنجليزية قائلا, "يا سيدي, اسمي ليمويل جليفر وسفينتي فُقدت بسبب عاصفة ولهذا السبب أنا موجود هنا. لا داعي لتقييدي بالأحبال فأنا لن أؤذي أي شخص. أرجو لو تكرمتم إعطائي بعض الطعام والشراب." لاحظت من تعبير وجهه أنه لم يفهمني أيضا, لذلك أشرتُ إلى فمي لأبيّن له أنني كنتُ جائعا وظمآنا.

·        قال الرجل شيئا لخَدمه, وشاهدتُ بعضا من الرجال الصغار ينصرفون ثم يعودون بعد وقت قصير ومعهم الكثير من السلال التي بها أطعمة وكذلك الأواني التي بها المياه. قاموا بوضع سلالم على كتفي, ورفعوا السلال والأواني إلى فمي. لم يصدقوا الكمية التي شربتها وأكلتها, ولكنهم بدوا سعداء. أعتقد أن الناس الصغار أدركوا أنهم من الممكن أن يثقوا بي, وعندما أصبح هناك طعاما في معدتي, شعرت أنني يمكن أن أثق بهم أيضا.     

·       قدّمتُ لهم الشكر بعد أن فرغت من تناول الطعام. ابتسم لي الرجال الصغار وقاموا بتحيتي برؤوسهم. وصل رجل آخر وكان من الواضح أنه شخصية مرموقة. انحنى الرجال الآخرون له, وأدركتُ من ملابسه أنه كان مَلك دولتهم والتي علمتُ فيما بعد أن اسمها ليليبوت. تحدث الملك إليّ أيضا من فوق المنصة الخشبية, وانتظرتُ بصبر حتى أنهى حديثه.

· قلتُ للملك, "أنا مسرور بلقائك يا سيدي, ولكن أرجوك, هل تسمح بأن تحررني من الأَسْر؟" كنتُ أعلم الآن أننا لا نستطيع أن نتحدث بنفس اللغة, ولكننا نجحنا في التواصل معا باستخدام الإشارات بأيدينا, وبذلك فهمتُ أنه رفض طلبي في أن أكون مطلق السراح, وأنه قال أنه لا داعي بالنسبة لي أن أقلق. ثم أشار بيده وقال شيئا بخصوص نقلي إلى مكان ما.

· كان يقف حولي الآن مئات من الأشخاص الصغار جدا. قاموا بحملي ببطء ووضعوني على آلة غريبة كان لها عجلات كثيرة. اكتشفت فيما بعد أن سكان هذه الجزيرة كانوا مهندسين عظماء وقاموا بتصميم هذه الآلة لحمل الأشجار الثقيلة. كان يجر الآلة مجموعة من الخيل الصغيرة جدا لونها أسود وأبيض, ويبلغ طول كل حصان منهم حوالي أحد عشر سنتيمترا. أدركت أنهم كانوا يريدون نقلي إلى عاصمة دولتهم. قبل أن نغادر, قام بعض الرجال بسَكْب بعض الدواء على الجروح في الأماكن التي ضربتني فيها السهام في يدي, وعلى الفور تحسنت حالة الجروح كثيرا.    

·                    كانت المدينة تبعد حوالي كيلو مترا واحدا تقريبا, ولكن استغرق نقلي إلى هناك على هذه الآلة طوال تلك الليلة. ولأنهم وضعوا بعض الدواء في طعامي الذي جعلني أشعر بالنعاس, فقد نِمتُ معظم وقت الرحلة واستيقظت فقط لبرهة  عندما قرر أحد الجنود أن يُدخل عصا طويلة في أنفي ليرى ما الذي سيحدث. هذا الجندي جرى هاربا عندما استيقظت وعطست.

·        في الصباح التالي, استيقظتُ لأكتشف أن الآلة قد حملتني إلى منطقة قريبة من بوابات المدينة. توقفت الخيل خارج أحد المباني الذي اكتشفت فيما بعد أنه كان معبدا قديما, وكان أكبر مبنى على الجزيرة. لم يكن أحد يستخدم ذلك المبنى الفارغ الآن, لذلك قرر الملك أن أبقى هناك. كان المبنى له حديقة صغيرة تحيط به والتي يمكنك أن تدخل إليها من خلال بوابتين يبلغ ارتفاع كلا منهما أكثر قليلا من متر واحد. لم يكن الملك يريد أن أهرب, لذلك طلب من بعض رجاله أن يربطوا ساقَيّ في البوابات باستخدام سلاسل معدنية.  

·        أمام مسكني الجديد كان يوجد برجا يبلغ ارتفاعه مترين تقريبا. صعد الملك مع رجاله إلى قمة هذا البرج لكي ييستطيعوا أن يتفرّجوا عليّ مثلما يتفرّج الإنسان على أحد الحيوانات في حديقة للحيوان, وفي نفس الوقت لم يكن باستطاعتي رؤيتهم. خلال الأيام القليلة التالية, جاء مئات الأشخاص من المدينة خارجين من البوابات لرؤيتي مستلقيا على الآلة الغريبة بجوار مسكني الجديد. في البداية استخدموا سلالم لمحاولة التسلق على جسدي, ولكن الملك قال أن ذلك غير مسموح به.

·        عندما لاحظ الجنود أنني لا أستطيع الهروب وساقيّ مربوطتين بالسلاسل في البوابات, قطعوا الأحبال التي كانت تربطني في الآلة. الآن كان بإمكاني الوقوف بالرغم أن السلاسل التي كانت في سيقاني تمنعني من الذهاب لمسافة بعيدة, ومع ذلك, كنت أستطيع أن أسير لمسافة صغيرة حول المبنى الفارغ, وفي الليل أستطيع أن أستلقي للنوم على الأرض الصلبة في مسكني الجديد.

·        في الصباح التالي, استيقظتُ ونظرتُ إلى الأرض التي حول المدينة. كان منظرا جميلا وذكّرني بأحد الرسومات في كتاب للأطفال. كان هناك الكثير من الحقول والغابات صغيرة الحجم. كانت الحقول في حجم حدائق صغيرة, وكان يبلغ طول الأشجار أكثر قليلا من مترين. شاهدت بعض الرجال عندما وصلوا ومعهم عربات صغيرة قاموا بدفعها نحوي على عجلات خشبية. كانت كل عربة تحمل طعاما وشرابا. قام الرجال بترك العربات عند النقطة التي أستطيع أن أسير إليها قبل أن توقفني السلاسل. أفرغتُ عشرين عربة من هذه العربات كإفطار لي. لم أكن أعرف ما هو ذلك الطعام, ولكن كان مذاقه شهيا.

·                    بينما كنت أتناول الطعام, لاحظت أن الملك كان يتفرج عليّ ومعه خَدمه وبعض أفراد أسرته. كان يبلغ من العمر حوالي ثمانية وعشرون عاما, وكان طويلا بالمقارنة بباقي الناس هناك, وكانت له ذراعان قويتان ووجه وسيم. كانت ملابسه تشبه تماما تلك التي يرتديها الملوك في دول أوروبا, على الرغم أنه كان يحمل سيفا لكي يحمي نفسه. كان طول السيف يبلغ سبع سنتيمترات تقريبا. تحدّث إليّ الملك مرة أخرى بصوت مرتفع جدا, فأجبته قائلا, "أنا آسف يا فخامة الملك, ولكني لا أستطيع أن أفهم ما تقوله لي." حاولت أن أرد عليه بكل اللغات التي أعرفها: الفرنسية والأسبانية والصينية والعربية, ولكنه لم يفهم أي شيئ.  

·        بعد أن غادر الملك, بدأ يصل بعض الناس من المدينة ليلقوا نظرة عليّ مرة أخرى. وحاول بعض ممن يتّسمون بشجاعة أكبر أن يتسلقوا على جسدي, ولكن الحراس منعوهم من ذلك. في صباح ذات يوم, كنتُ جالسا بجوار باب مسكني الجديد أتفرّج على الناس الصغار الذين جاءوا لرؤيتي. اقترب ستة منهم وهم يحملون الأقواس والسهام وبدأوا يطلقون السهام نحوي, وكاد أحد السهام أن يصيب عيني.

·        صرختُ فيهم قائلا, "هذا ليس شيئا مضحكا, توقفوا عن ذلك فورا." وعندما رأى الحراس أنني كنتُ غاضبا, قاموا بسرعة بالقبض على الستة أشخاص الذين فعلوا ذلك, وقاموا بتوثيق أيديهم معا ودفعوهم ناحيتي, ربما معتقدين أنه بإمكاني معاقبتهم. بدا عليهم جميعا القلق الشديد.

·        سألتُ الرجال الصغار وأنا ألتقطهم واحدا تلو الآخر, "لماذا تضربونني بالسهام؟" "أنتم الخمسة تستطيعون الانتظار هنا, في جيبي." قلتُ ذلك وأنا ممسك بالرجل السادس في يدي. نظرتُ إليه بتمعن, ثم قلتُ له ضاحكا, "أنت صغير جدا وضعيف للغاية." التقطتُ سكينا وحرّكته باتجاه يدي الرجل الصغير قائلا, "أنت تعتقد أنني سوف ألتهمك, أليس كذلك؟" بدا الذعر على الرجل الصغير بل حتى على الحراس أنفسهم. 
 

·          أمسكتُ بالرجل الصغير الذي أطلق السهام عليّ وشعرتُ بأصدقائه في جيبي. أخذتُ السكين وحركتها باتجاه الرجل الذي في يدي. كان الذعر يبدو عليه ولكن ذعر الرجل تحول إلى دهشة عندما استخدمتُ السكين في قطع الخيوط التي كانت توثق يديه ببعضها. وقلتُ له  وأنا أضعه على الأرض, "انصرف مبتعدا عن هنا. ملكك يريد أن يجعلني أظل مقيدا ولكنني لا أمانع في اطلاق سراحك." وبعد ذلك, أخذت أصدقاءه من جيبي ووضعتهم بأسفل بجوار الرجل الأول وقلتُ لهم, "يمكنكم جميعا أن تذهبوا أيضا." ثم ضحكتُ عندما لاذوا جميعا بالفرار مسرعين وهم يصيحون بصوت عالٍ.  

 ·          اكتشفتُ فيما بعد أن الحراس أخبروا الملك عن رأفتي بالأشخاص الذين حاولوا إيذائي, وأعتقد أن ذلك دعّم موقفي. فقرر الملك أن يصنع لي سريرا. أمر العمال أن يقوموا بتثبيت ستمائة من أسرّتهم معا لكي يصنعوا سريرا أستطيع أن أنام عليه, وأصبحت الليالي أكثر راحة بالنسبة لي.    
·          خلال الأسابيع القليلة التالية, جاء الناس من كل أنحاء الجزيرة لرؤيتي. وأصبح الملك قلقا لأن بعض القرى أصبحت خاوية لدرجة أنه لم يعد هناك عدد كافٍ من الأشخاص للعمل في الحقول. لذلك سَنّ الملك قانونا جديدا يقول أنه لا يستطيع أحد رؤيتي بدون الحصول على رخصة بذلك وكان يتم الحصول على هذه الرخصة بمقابل مادي.

اكتشفتُ فيما بعد أن الملك كانت لديه مخاوف أخرى تتعلق بي. فقد عقد اجتماعات كثيرة مع مستشاريه ليسألهم عما سيحدث في حالة هروبي. كان المستشارون قلقين أيضا لأنني كنت أحتاج إلى كمية كبيرة من الطعام والشراب ولم يكونوا متأكدين إذا كانت لديهم القدرة المادية على إبقائي هناك. ونتيجة لذلك, تقرر أنه يجب على جميع الأشخاص الذين يسكنون بجوار المدينة أن يوفروا عدد ستين بقرة وأربعين خروفا وخبزا وفاكهة كل صباح للمساهمة في إطعامي. وقال الملك أنه سيتم دفع أجور لعدد ستمائة شخص آخرين ليتولوا رعايتي, وأنهم سيعيشون في خيام قريبة من مسكني. كما سيتم تعيين ثلاثمائة شخص آخرين لصناعة ملابسي, وهناك ستة من أفضل مستشاري الملك سيصبحون معلمين لي ليساعدونني على تعلم لغتهم. 

·          لقد كنت دائما جيدا فيما يختص باللغات وفي غضون ما يقرب من ثلاثة أسابيع بدأتُ بالفعل في التحدث بلغتهم بشكل جيد تماما. كان الملك يزورني كثيرا وكان سعيدا بالتحدث معي ومساعدتي على التعلم أكثر. عندما أدركت أن الملك يستطيع أن يفهمني, كنت سعيدا جدا بالتحدث إليه والتعبير له عن أفكاري. سألته في أحد الأيام خارج مسكني قائلا, "يا صاحب السمو, أنت تعرف أنني لن أؤذي شعبك, لذلك أرجوك هل تسمح بإطلاق سراحي؟" فأجاب قائلا, "أنا أرى أنك لست رجلا عنيفا, ولكن هذا الأمر سوف يستغرق بعض الوقت وعليك أن تكون صبورا. أولا, يجب أن تسمح لاثنين من جنودي بأن يقوموا بتفتيش ملابسك للبحث عن أي أسلحة التي قد تمثّل خطرا علينا."     

·          قلتُ له, "يسعدني أن تقوموا بتفتيشي." فاستمر في كلامه قائلا, "حسنا. مهما كانت الأشياء التي في جيوبك سوف نحتفظ بها, ولكني أعدك أننا سوف نرد هذه الأشياء لك عندما تغادر بلدنا, أو سنقوم بدفع ثمن أي شيئ لن نرده إليك." فقلت له, "حسنا جدا."

·          استدعى الملك اثنين من جنوده وطلب منهم أن يقوموا بتفتيشي. رَفعتُ الجنديين ووضعتهما أولا في جيوب معطفي وبعد ذلك في جيوبي الأخرى. قام الجنديان بتدوين كل شيئ يرونه: منديل وخطاب إلى زوجتي ومشط للشعر وساعة ومحفظة ومسدسين والسيف. هذه الأشياء عادية ومن الممكن أن يحملها أي مسافر, ولكن بالنسبة لهؤلاء الرجال الصغار كانت تبدو أشياءا مذهلة.

·          قام الجنديان بعرض القائمة على الملك الذي بدا سعيدا بالرغم أنه لم يلاحظ أنهما لم يعثرا على نظارة وبعض الأشياء الأخرى التي كنت أحتفظ بها في أحد الجيوب السرية. عندما قرأ الملك أنه كان معي سيفا وبعض المسدسات طلب مني أن أريه إياها. ورغم ذلك, بمجرد أن التقطتُ سيفي, صُدم رجال الملك من حجمه وصرخوا في دهشة.

·          قال الملك بشجاعة "إن سيفك يبدو خطيرا للغاية, من فضلك ضعه على الأرض." وفعلت ذلك قبل أن أظهر له المسدسين. فسألني قائلا, "ما هذه الأشياء الغريبة؟" فقلت له, "سوف أبيّن لك, ولكن أرجو ألا تقلق, فهما سيصدران صوتا مزعجا وعاليا جدا."    

·          أطلقتُ كلا المسدسين في الهواء. الدويّ جعل جنود الملك يسقطون على الأرض من الخوف. وحتى الملك الشجاع بدا متوترا جدا. وضعتُ المسدسين حينئذ على الأرض بجوار سيفي وقلت للملك, "ها هي مسدساتي, ولكن أرجو أن تكون في غاية الحذر منها." وأخيرا أريته ساعتي, والتي سببت له حيرة كبيرة وسألني, "ما الغرض من هذه الآلة الغريبة ولماذا تسبب هذا الضجيج المتواصل؟" حاولتُ أن أشرح له أنها تستخدم لقياس الزمن. طلب الملك من جنوده أن يأخذوا هذه الأشياء إلى قصره حيث يستطيع خبراؤه أن يقوموا بفحصها هناك.   

·          الآن أدرك رجال الملك أنني شخص لا أمثّل خطورة, كما لم يعُد الأشخاص الذين يأتون لرؤيتي خائفين مني. كنت أحيانا أستلقي على الأرض وأسمح لخمسة أو ستة أشخاص أن يتسلقوا لأعلى ليرقصوا على يدي. كما كان الأطفال يلعبون ألعابهم من حولي أيضا.

·          بدأ يحدوني الأمل أن يتم اطلاق سراحي قريبا, وبذلت كل ما في وسعي لإرضاء الملك. وبدا أن جهودي قد كللت بالنجاح, حيث قام الملك بدعوتي لحضور بعض المناسبات المهمة. في البداية دُعيت لمشاهدة بعض من أفضل الرياضيين بالدولة. وقف رجلان يمسكان بطرفي عصا طويلة ويقوم الرياضيون بالقفز من فوق العصا بالتناوب. بعد كل قفزة ناجحة يتم رفع العصا إلى موضع أعلى وأعلى. وكان الملك يمنح الشخص الذي يسجل أعلى قفزة شريطا ملونا أزرق اللون, وكان يحصل صاحب المركز الثاني على شريط أحمر ويحصل صاحب المركز الثالث على شريط أخضر. كان الفائزون فخورين جدا بهذه الأشرطة وكنت أرى أحيانا أن الرياضيون يرتدونها مثبتة بدبوس في ملابسهم العادية أثناء سيرهم حول المدينة.   

·          عندما وقفتُ, قال الملك أن ساقيّ كانتا أطول من أعلى بوابة في المدينة. لذلك, في يوم آخر, أعطى أوامره بأن ثلاثمائة من جنوده يمتطون خيولهم ويسيرون في صفوف من بين ساقيّ بينما أكون أنا واقفا بلا حركة, لكي يُظهر لي مدى حجم جيشه. بعد ذلك أراد الملك من جنوده أن يظهروا لي كم كانوا خبراء في ركوب الخيل أيضا. فطلب مني أن أمد يدي بارتفاع سنتيمترات قليلة عن الأرض ثم يتناوب الجنود القفز من فوقها. الناس المشاهدون أعجبوا بهذا وصفق الجميع. 

·          كنت الآن قد سألت الملك تقريبا بشكل يومي إذا كان من الممكن أن يتم فك قيودي. ومع ذلك, كان هناك مستشارا للملك يُدعى سكايريش بولجولام الذي لم يكن يحبني ولا يثق في كذلك وفعل كل ما في استطاعته لكي يمنع إطلاق سراحي.

·          عندما اقترح مستشارو الملك الآخرون أن حصولي على حريتي كان ممكنا وافق سكايريش بولجولام فقط في حالة أن أقطع عددا من الوعود على نفسي. وقام بقراءة هذه الوعود عليّ بصوت مهيب: "يجب أن تعد ألا تدخل المدينة إلا إذا طُلب منك ذلك, وإذا دخلت بالفعل يجب أن نحذر الناس أنك قادم وذلك من أجل سلامتهم. ويجب أن تعد ألا تطأ بقدميك على أي من شعب ليليبوت وكذلك لا تلتقط أي منهم بدون إذن منهم. يجب عليك أن تسير بطول الطرق وألا تستلقي في أي حقل خشية أن تدمر محاصيلنا. يجب أن توافق ألا تغادر البلد بدون الحصول على إذن. وأخيرا يجب أن تعد بأن تقاتل دفاعا عن الملك إذا ما نشبت حربا في أي وقت مع الدولة المجاورة لبلدنا, بليفوسكو."     

·          وافقت على كل ذلك بترحاب, وتم أخيرا فك الأغلال التي حول ساقيّ. أخيرا أصبحت حُرّا. عندما رأيت الملك بعد ذلك انحنيت له وقلت, "يا صاحب السمو, أريد أن أشكرك على فك قيودي." فقال لي, "نحن نرحب بك. أنا متأكد أنك ستكون خادما مفيدا لي وأنك ستثبت أنني كنت على صواب أن أطعمك وأن أقدم لك الملابس." فقلت له, "أعدك أنني سوف أبذل قصارى جهدي لإسعادك, ولكن لي أطلب منك أن تفعل شيئا آخر من أجلي. هل تسمح لي بزيارة عاصمتكم العظيمة مدينة ميلديندو؟" فقال الملك, "نعم أستطيع أن أسمح بذلك, ولكن يجب أن تكون حذرا جدا حتى لا تدمّر أيا من المباني أو تؤذي أيا من الناس."

·          بعد أن وافقت على كل طلبات الملك, طلب الملك من رجاله أن يضعوا تنبيهاً يحذّر الناس من زيارتي وأمرهم جميعا بالبقاء في منازلهم. تخطيتُ بقدمي من فوق البوابة الغربية إلى داخل المدينة ومشيتُ ببطء في الشارع الرئيسي للمدينة. كان عليّ أن أكون حذراً حتى لا يدمر معطفي أسقف المنازل الصغيرة التي كانت تتكون جميعها من أربعة أو خمسة طوابق. كانت مدينة تعج بالحياة ومزدحمة وبها الكثير من المتاجر والأسواق الصغيرة, وفي منتصف المدينة كان يقف واحدا من أكبر مبانيها وهو قصر الملك.

·          تخطيتُ السور الذي حوْل القصر ودخلت إلى ميدان كبير مفتوح حتى ألقي نظرة على المبنى الجميل الذي كان يقف على ارتفاع مترين تقريبا. كان الملك يريدني أن أنظر داخل المبنى, ولكن كان من الصعب أن أتسلق فوق أسوار القصر إلى داخل ميدان رئيسي بدون أن أحطم هذه الأسوار, كما أن النوافذ في هذا الجزء من القصر كانت صغيرة جدا لدرجة أنني لا يمكن أن أرى ما بالداخل.

·          لذلك قمت بزيارة متنزه الملك الذي كان في مكان قريب, وقطعت بعضا من أكبر الأشجار التي وجدتها. استخدمتُ سكينا لأصنع من الأشجار كرسيين خشبيين بدون ظهر, وحملتهما عائدا إلى القصر. وقفت على أحدهما ومررتُ الآخر من فوق سقف القصر. كنت الآن أستطيع أن أخطو فوق القصر بدون تحطيم أي أسوار, وكنت الآن بداخل الميدان الرئيسي الصغير. استطعت الآن أن أستلقي وأنظر داخل النوافذ الأكبر حجما وأرى حجرات الملك. كنت مسرورا جدا برؤية الأثاث الجميل وخدم الملك وهم يعملون. كانت الملكة هناك أيضا ولوّحت لي بيدها وهي تبتسم.

·          بعد ذلك بأسبوعين تقريبا بعد أن قمت باستكشاف مدينة العاصمة  زارني ريلدريسال, وهو مسئول مهم يعمل لدى الملك وقال لي, "عندي شيئ مهم لأخبرك به". فقلت, "حسنا جدا, هل تحب أن أضطجع حتى تتمكن من التحدث معي بسهولة؟" فاقترح قائلا, "لعله يكون من الأسهل أن أقف على يديك بدلا من ذلك؟" لذلك التقطته وبدأ يقول لي آخر الأخبار. قال, "إننا في غاية السعادة لأنك الآن حُر, ولكنك يجب أن تفهم أن ذلك فقط بسبب الموقف العصيب الذي تواجهه ليليبوت." 

·          شرح ريلدريسال قائلا, "هناك مشكلتان في بلدنا في الوقت الحالي. المشكلة الأولى داخل الدولة. لقد كان هناك نزاعا كبيرا بين المجموعتين السياسيتين الرئيسيتين. إحدى المجموعتين وهم الترامكسان يعتقدون أنه ينبغي على الناس أن يرتدوا الأحذية ذات الكعوب العالية لأن هذه هي تقاليد الدولة. أما المجموعة الأخرى وهم السلامكسان يعتقدون أنه يجب ارتداء الكعوب المنخفضة لأن ذلك أكثر حداثة. الملك يريد أن يرتدي الكعوب المنخفضة وأعطى الأوامر لجميع رجاله بأن يفعلوا نفس الشيئ على الرغم أن ابنه الأمير يحب ارتداء الكعوب العالية."

·          سألتُ ريلدريسال, "إذاً ماذا حدث؟" فقال, "حسنا, الآن ترفض المجموعتان السياسيتان أن يتحدثا إلى بعضهما البعض. هناك عدد أكبر من الناس في مجموعة الترامكسان, ولكن مجموعة الملك, السلامكسان, هي الأقوى." فقلت له أنني فهمت الأمر.  

·          استطرد ريلدريسال قائلا, "المشكلة الأخرى خارج الدولة. يخشى الملك أن تتعرض بلاده للهجوم من قِبل أعدائنا في بليفوسكو. هذه الجزيرة تقريبا متساوية في الحجم والقوة مع ليليبوت, والدولتان حاربتا بعضهما البعض على مدار سنوات طويلة."

·          بعد ذلك شرح لي كيف بدأت الحرب, "إن الطريقة التقليدية لكسر البيضة قبل أكلها في ليليبوت هي كسرها من الطرف الأكبر للبيضة. ولكن, جدّ الملك, عندما كان ولدا صغيرا, جرح إصبعه أثناء كسر بيضة بهذه الطريقة. لذلك سنّ قانونا يقول أن على الجميع أن يكسروا البيض من الطرف الأصغر, والناس الذين سيفتحون البيضة من طرفها الأكبر سيتعرضون للعقاب." فقلتُ له, "بالطبع" ولكني فكرت بيني وبين نفسي أن هذا الكلام يبدو مثيرا للسخرية.

·          استمر قائلا, "هذا القانون لم يلق استحسانا شعبيا على الإطلاق وكانت هناك الكثير من الثورات بسببه. لم تنجح هذه الثورات مطلقا, وكان الناس الذين يشاركون فيها دائما ما يهربون إلى بليفوسكو حيث يتم الترحيب بهم هناك كأصدقاء. وبسبب ذلك بدأت حربا بين البلدين."

·          قال ريلدريسال, "فقدت ليليبوت أربعين سفينة على الأقل وحوالي ثلاثين ألف جندي. وبالرغم من أن بليفوسكو خسرت عددا مماثلا من الأشخاص, إلا أنه يبدو محتملا أنهم يخططون للهجوم على ليليبوت في أحد الأيام قريبا." فقلت, "هذه ليست أخبارا جيدة."  فقال ريلدريسال, "ولهذا السبب, طلب مني الملك أن أخبرك بمشكلتنا لأنه يريد منك مساعدتنا." فقلت له, "أنا فهمت الأمر, وبالتأكيد أنا على استعداد للمساعدة في الدفاع عن بلدكم ضد أي هجوم قادم." فقال ريلدريسال, "حسنا, أنا سعيد جدا لسماع ذلك, وسوف أبلغ الملك به على الفور."

·          بعد أن غادر, جلست وفكرت في الوعد الذي أعطيته. هل ما فعلته هو الصواب؟ أنا لم أكن أريد أن أؤذي أي شخص, ولكن كان يبدو أن وقت الحرب قد اقترب.
 

ليفوسكو كانت جزيرة على بعد حولي 800 متر من شمال شرق ليليبوت. لم أكن قد رأيت الجزيرة بعد. وبعد ما أخبرني به ريلدرسال عن الهجمة المحتملة, قررت ألا أذهب إلى هذا الجانب من المدينة في حتى لا يراني أعداء ليليبوت. سمعت أنه لا يوجد اتصال بين الدولتين. لذلك هم لم يعرفوا عني أي شيء. في يوم ما أخبرت الملك أن لدي فكرة.

 

فقال "إن كانت ستساعدنا, فأحب أن أسمعها". قلت: "إن جواسيسكم أخبرتني أن أسطول سفن بليفوسكو جاهز لمهاجمتنا".فقال الملك "هذا صحيح"

"حسنا, خطتي هي أنني يمكنني بسهولة أخذ كل سفن بليفوسكو منهم".

أعجب الملك بهذه الفكرة جدا و طلب مستشاريه. سألت واحد من أفضل بحارة الملك كم عمق الماء بين الجزيرتين.

فقال "حوالي المترين على الأكثر"

 

بعد الظهيرة, مشيت إلى الشمال الشرقي لليليبوت و رقدت على بعض الحقول بالقرب من الساحل لكي لا يراني من في بليفوسكو. استخدمت نظارة الجيب المعظمة لكي أنظر إلى الجزيرة المجاورة. استطعت أن أرى حوالي 50 سفينة و معهم بعض القوارب الأصغر في مرسى صغير.

 

عدت إلى المدينة و طلبت بعض السلاسل القوية و خمسون قضيب حديدي. شكلت القضبان على شكل خطاطيف كبيرة و ربطهم بالسلاسل قبل عودتي إلى الساحل الشمال شرقي. و في ذالك الوقت كنت جاهز أن أنفذ خطتي.

 

. ثم قلعت حذائي و جواربي و مشيت في البحر البارد, حاملا السلاسل و الخطاطيف. و لأن البحر لم يكن عميق جدا, استطعت أن أمشي معظم الطريق, بالرغم من أنه كان علي أن أعوم قليلا حيث كانت المياه أعمق قبل أن أصل إلى بليفوسكو بعد حوالي نصف ساعة.

 

عندما رآني الناس في بليفوسكو, كانوا مرعوبين. و قفز البحارة من المراكب بأقصى سرعة ممكنة إلى الشاطئ. في نفس الوقت, ربطت الخطاطيف الحديدية في كل السفن التى في الميناء و ربطت السلاسل الحديدية معا. و بينما كنت أفعل ذلك, بدأ جنود بليفوسكو بتصويب السهام نحوي من الشاطئ. أصابت السهام زراعي و يدي, و لكن قلقي الأكبر كان على عيني. لذلك ارتديت نظارتي التي كنت قد خبأتها في جيبي. و هذا حمي عيني من أي سهام بينما بدأت أسحب السلاسل.

 

في البداية لم تتحرك السفن و ادركت أنهم كانوا مربوطين بأسوار المرسى.  لذا أخذت سكينا و قطعت كل الحبال. سهام أكثر كانت تصيب يدي, لكن بالرغم من أن هذا مؤلم, لم يوقفني هذا. باستخدام الخطاطيف و السلاسل, كنت قادر على سحب كل الخمسون سفينة بعيدا عن المرسي. توقف الجنود فجأة عن التصويب و شاهدوني بدهشة كبيرة عندما أدركوا ما كان يحدث. سمعت صرخات قليلة خلفي, لكن هذا لم يفعل شيء. بعدها بقليل كنت عائدا في المياه العميقة. أزلت بعض السهام من يدي و تحضرت للسباحة عائدا إلى ليليبوت.

 

أخبرني الملك فيما بعد عند عودتي إلى ليليبوت أنه و رجاله كانوا ينتظرون بتوتر على الشاطئ الشمال شرقي. و صاح جندي " أنا أستطيع رؤية بعض السفن! و لكن لا يوجد أي أشارة من جلفر".

 

قال أحد مستشاريه "بالتأكيد أسطول العدو يهاجمنا. خطة جلفر لم تنجح" 

 

قال الملك "أخشى أنك على حق. ربما غرق جلفر."

 

و لكن في هذه اللحظة لمست قدمي قاع البحر و وقفت و صرخت "عاش ملك ليليبوت"

 

لآن يراني الملك و ضحك بصوت عالي.

قال الملك "يا بطل. ستنال أهم ميدالية في هذه الأرض لما قمت به".

 

تلك الليلة, أصبح من الواضح بعد نجاحي أن الملك كان لديه خطط أكثر لي.

قال لي الملك "أستمع, بمساعدتك نستطيع بسهولة السيطرة على كل بليفوسكو و وضع كل أعدائي في السجن, بما فيهم الذين يريدون كسر البيض من الطرف الأكبر.

 

مع ذلك أخبرت الملك أنني لا أريد أن يوضع ناس بليفوسكو الأحرار في السجن. و قلت له "آسف, لا أستطيع مساعدتك في طموحك هذا". و لم يبدو على الملك السعادة.

كنت مندهشا كم تغير رأي الملك في بسرعة. عندما طلب أن يراني في اليوم التالي, لم يكن ودودا على الإطلاق.

قال لي "لا أستطيع أن أجعلك تهاجم بليفوسكو, لكن إن لم تساعدنا, لن تكون بطلا في ليليبوت بعد الآن. أنا آسف أن أقول لك أن حياتك لن تكون سهلة من اليوم".

 

و قد كان محقا. فبعدها اكتشفت أنه بالرغم من أن بعض مستشاريه يوافقوني الرأي, إلا أنني كان لي الكثير من الأعداء. بالرغم من زيارتي الشجاعة لـ "بليفوسكو", إلا أن موقفي في ليليبوت أصبح أكثر خطرا. بعد ذلك بحوالي ثلاثة أسابيع, جاء مجموعة من الموظفين الرسميين من بليفوسكو لمقابلة الملك.  و سألوا ماذا يمكن أن يفعلوه لينهوا الحرب بين البلدين بسلام و طلبوا أيضا أن يقبلوا الرجل الضخم الذي أخذ سفنهم. عندما رأوني, لم يبدو عليهم الخوف لكن انحنوا أمامي.

قال أحدهم "نود أن نشكرك لأنك لم تؤذي أي من شعبنا عندما أتيت إلى بليفوسكو. نحن نرى كم كنت قوي و شجاع. هل من الممكن أن تقابل ملكنا؟ نحن نود جدا أن تزور بلدنا مرة أخرى. لكن هذه المرة كضيف".

 

و قلت لهم أني سأكون سعيدا بهذا. لم أدرك أن هذا الوعد قد يخلق لي العديد من المشاكل فيما بعد.

ذات ليلية, زارني أحد مستشاري الملك بدون إنذار و معه بعض الأخبار الهامة. أخبرني بما اقترحه العديد من مستشاري الملك الآخرون, و لم يبدوا هذا واعدا جدا

قال لي "الخازن "فليمناب" أخبر الملك أنك تكلفهم الكثير جدا من المال و أنه من الأفضل أن يخرجونك من المدينة. فليمناب ليس الشخص الوحيد الذي لديه مشكلة معك, رجل مهم في البحرية غاضبا منيك لأن بليفوسكو لم يعد لديها أسطول من السفن و وظيفته لم تعد مهمة. و سكايريش بولجومان الذي لم يحبنك أبدا قال أنك لم تحافظ على العديد من الوعود التي وافقت عليها عندما أطلق سراحك".

أجبته بتوتر"فهمت"

 

"و أخشى أن أقول أنه هناك مشكلة أكبر. العديد من مستشاري الملك أخبروه أنك تخطط للعمل مع ملك بليفوسكو ضد ليليبوت. و بسبب هذا, هم يريدون أن يعاقبوك".

 

لقد كنت قلقا للغاية عندما سمعت ما يخططون لفعله لمعاقبتي. قال بعض أعدائي أني يجب أن يطلق علي أسهم سامة, و اقترح آخرون أنه من الأسهل أضرام النار في منزلي و أنا بداخله.

 

أكمل المستشار "أنت محظوظ. الملك لا يريدك أن تموت. لذا أتفقوا أنهم سوف يجعلونك أعمى. بهذه الطريقة ستظل قوي بشكل يكفي لمساعد الملك لو هناك ضرورة,لكن لن تمثل خطرا. و مع ذلك, الخازن فليمان قال كونك أعمي سيجعلك لازالت في حاجة إلى الطعام و الملابس و هذا يكلف الكثير جدا. لذا أتفقوا في النهاية أنه بعد جعلك أعمى, يجب عدم أعطائك أي طعام, لأن هذا يوفر مال الملك.

 

قلت لزائري "قلت أن الملك لا يريدني أن أموت. لكن إن لم يعطوني أي طعام, سوف أموت سريعا من الجوع".

 

فقال " أعتقد أنك محق, و أنا آسف جدا. لكن على الأقل فقد أخبرتك بما خططوه لك. من الأفضل أن تستعد لما هو آت"

 

شكرته على تحذيره لي و فكر في الأختيارات المتاحة. كنت أستطيع بسهولة محاربة الملك و رجاله: لو ألقيت القليل من الحجارة على المدينة, استطيع بسهولة تدميرها. لكني تذكرت الناس العادية الذين يعيشون هناك, و أيضا حقيقة أن الملك كان عطوفا معي في بداية وصولي. لذا صنعت خطة مختلفة. جلست و كتبت رسالة للملك, و بسرعة ذهبت إلى الجانب الأخر للمدينة قبل بزوغ الضوء. و هناك أخذت أحد اكبر السفن التي وجدتها. خلعت ملابسي و وضعتهم في السفينة . ثم سبحت بأتجاه بليفوسكو ساحبا السفينة خلفي. و عندما وصلت إلى بليفوسكو, أرتديت ملابسي الجافة مرة أخرى و وجدت طريقي إلى عاصمتهم.

 

نادى حراس بليفوسكوعلى ملكهم و بعد حوالي الساعة جاء ليرحب بي مع عائلته و مستشاريه. كنت مندهشا أنه لم يبدوا على أي من عائلته الخوف مني. أخبته أنني كنت سعيد جدا بلقائه و أننا سأساعده بكل سعادة بأي طريقة

 أستطيعها. لم أقل شيء عن مشكلاتي التي تركتها خلفي في ليليبوت.

 

تلك اليلة كانت غير مريحة على الأرض الصلبة لأنه لم يكن يوجد مبنى بأتساع منزلي في ليليبوت. خلال الأيام القليلة التالية استكشفت الجزيرة الصغيرة و التي لم تكن مختلفة كثيرا عن ليليبوت.

 

ذات صباح, كنت أمشي بطول شاطئ الجزيرة عندما رأيت شيء ما في البحر. نظرت بحرص و شعرت فجأة بالفرح . لقد كان قارب حقيقي, كبير بما يكفي لي للذهاب فيه! و مع ذلك عاصفة ما قلبت القارب و كان يطفو على بعد من الساحل

 

عدت مسرعا إلى المدينة و طلبت من الملك أن أستعير بعض من سفنه. بالطبع كنت قد أخذت معظم سفنه إلى ليليبوت .لكنه وجد عشرون سفينة أخرى,و التي وافق أفضل البحارة أن يبحروا بهم حول الساحل. مشيت عائدا إلى حيث رأيت القارب و الذي كان وقتها أقرب إلى الجزيرة. سفن الملك أبحرت بالقرب من القارب على قدر الإمكان, ثم سبحت أنا في الماء و نجحت في حمل العديد من الحبال من السفن لإلى مقدمة القارب. ثم ربطت الحبال لإلى القارب و ناديت على السفن أن تحاول سحب القارب نحو الشاطئ. و ساعدتهم بدفع القارب في الماء بينما كنت أعوم. و الراح ساعدتنا, و في وقت قريب كان القارب دفع به إلى شاطئ طويل. و بمساعدة ألف رجل و الكثير من الحبال, قلبنا القارب و فحصته بعناية. و كنت أرى أن به القليل من التلف.

 

قضيت الأيام القليلة التالية في إصلاح القارب و صنع مجاديف جديدة من أكبر أشجار الجزيرة, ثم أصبحت جاهزا للتجديف بالقارب حول المدينة. جاء حشد من الناس ليروني أصل في قاربي الجديد. و عندما تم ربطة جيدا بالقرب من القصر, ذهبت لرؤية الملك.

 

قلت له: "كما سمعت فقد وجدت قاربا, هذا القارب هو ما أحتاجه لأعود إلى البلد التي ولدت فيها. لو أنك تستطيع مساعدتي في إيجاد بعض المواد الخام , سوف أكون قادرا على المغادرة قريبا".

 

و مع ذلك في اليوم التالي وجدت ملك بليفوسكو أقل تأكدا فيما يفعله معي. لقد وصله للتو رسالة من ملك ليليبوت كتب فيها أنني هربت من العقاب و يجب أن يتم  إرسالي مرة أخرى. و أضاف أنني إن لم أقيد و يتم إعادتي إلى ليليبوت في الحال, ستبدأ الحرب بين البلدين مرة أخرى.

 

تحدث ملك بليفوسكو إلى مستشاريه لبعض الوقت. و في النهاية كتب رسالة إلى ملك ليليبوت يقول أنه من المستحيل عليه أن يرسلني. فبالرغم من أنني أخذت أسطول من سفنه. إلا أنني ساعدت في إيقاف الحرب بين البلدين و لم أؤذي أي شخص. و أيضا شرح أنني وجدت قاربا, و قريبا سأرحل و لن أكون مشكلة لأي من البلدين بعد الآن.

 

بعد أن أرسل هذا الخطاب وعدني بالحماية لو أنني سأستمر في مساعدته. و مع ذلك لم أشعر بأنها فكرة جيدة أن أساعد أي من الملكين

 

قلت"شكرا على عرضك, لكني أعتقد أنه من الأفضل لي و لبدلك أن أغادر. هل ستسمح لي يهذا؟"

 

فكر الملك لمدة دقيقة ثم وافق و قال مبتسما: "سأطلب من رجالي مساعدتك في تجهيز قاربك". خمسمائة منهم تم تشغيلهم لصناعة أشرع جديدة باستخدام مئات الملاءات, و عثر على صخرة كبيرة و التي يمكن أن تستخدم كهلب. و بعد حوالي شهر, كان القارب جاهزا.

 

ذات يوم أتى الملك مع عائلته إلى الشاطئ ليودعوني. و قبل مغادرتي أعطاني صورة مرسومة له. و كانت صغيرة جدا,لذا وضعتها في قفازي لكي لا تبتل خلال الرحلة. و أيضا أعطاني بعض البقرات و الخراف الصغيرة جدا لكي يمدني بالطعام الكافي و الشراب لأسابيع عدة في البحر. و أخيرا تركت بليفوسكو يوم 24 سبتمبر عم 1701 في السادسة صباحا.

 

أخذتني الرياح إلى الشمال و مررت بجزيرة صغيرة. كانت الليلة الأولى صافية و نمت جيدا قبل يوم جديد من الإبحار في نفس الاتجاه. خطط أن أبحر إلى بعض الجرز التي أعتقدت أنها تقع شمال شرق المكان الذي غرقت فيه سفينتي منذ عدة شهور مضت. لم أرى أي أرض في اليوم التالي على الإطلاق, لكن اليوم التالي رأيت قارب آخر ليس بعيدا عني.حاولت لبعض الوقت أن أسرع لألحق بالقارب, و بعد عدة ساعات  رأوا أخيرا شراعي. و عندما اقتربت كنت سعيدا أن أرى القارب عليه العلم الإنجليزي. و لم يكن قارب صغير. لكنكان في الحجم الطبيعي. لقد أصبحت بأمان.

 

أبحرت بقاربي بجوار القارب الإنجليزي, وضعت بقراتي و خرفاني في جيبي, و تسلقت إلى القارب الكبير. كان القارب ملك لتاجر يسمى "جون بيدل", و الذي كان يسافر عائدا إلى لندن من اليابان. كان لديه حوالي 50 من البحارة, و كانوا ودودين جدا نحوي عندما صعدت على قاربهم. ثم سألني "جون بيدل" أين كنت, لذا أخبرته عن مغامراتي. رأيت أنه ظن أنني مجنون تماما. لذا عرضت عليه البقرات و الخراف الصغار جدا و التي كانت معي في جيبي و الرسم الذي كان في قفازي. كان مذهولا.

 

و قال "لو لم تريني هذه الأشياء, لقلت أن ذلك مستحيل".

 

فقلت له: "أنا أتفهم هذا. أحتفظ بهذه الخرفان. و أعطهم لأولادك عندما تعود للوطن. سوف يحبونهم."

 

كان سعيدا جدا بهذا, و منذ ذلك اليوم و طوال الرحلة رأيته يطعم  الخرفان بأفضل قطع البسكويت البحرية لديه.

 

كانت رحلة طويلة للعودة لإنجلترا, لكنها كانت رحلة جيدة. في 13 أبريل عام 1702 عدنا إلى إنجلترا و كنت سعيدا جدا برؤية زوجتي و عائلتي مرة أخرى. و كيف ازداد أبنائي طولا!  بعت حيواناتي الصغيرة بأموال كثيرة (بالرغم من أني فقدت إحدى البقرات و التي أكلها فأر كبير) و في القريب أصبحت قادرا على مساعدة أسرتي للانتقال إلى منزل أوسع في جزء غالي الثمن في المدينة.

 

أبني "جوني" أصبح في مدرسة جيدة. و أبنتي "بيتي" ليدها عمل جيد في صناعة الملابس. كانت أسرتي مرتاحة و سعيدة, و لكني وجدت الحياة في المدينة صعبة و من الصعوبة الحصول على عمل.و مرة أخرى بدأت أفكر في أنه من الأفضل الحصول على وظيفة كجراح على سفينة.  لذا بعد شهرين ونصف فقط من عودتي إلى إنجلترا, عرض عليّ وظيفة جديدة على مركب أسمها "ذا أدفنتشر" أو "المغامرة". قبلت الوظيفة و تحضرت لرحلة أخرى.

 

شعرت بالدموع في عيني و أنا أودع زوجتي و أولادي مرة أخرى و خطوت إلى "ذا أدفنتشر". كان أسما جيدا لسفينتي, لأني كنت على وشك الحصول على مغامرة أكبر في البحر.

في يوم 20 يونيو عام 1702, تركت إنجلترا مرة أخرى على سفينة "ذا أدفنتشر" تحت قيادة كابتن السفينة "كابتن جون نيكولاس, كنا نخطط للذهاب إلى الهند و في البداية؛ كانت الرياح طيبة معنا, و وصلنا بسهولة إلى جنوب أفريقيا, حيث وقفنا للتزود بالماء العزب. هناك اكتشفنا أن السفينة كان بها ثقب في جانبها الذي كان يجب أن يتم أصلاحه., و قريبا بعد ذلك شعر الكابتن بالمرض. و بسبب ذلك, مكثنا في جنوب أفريقيا لمعظم الشتاء حتى شفي الكابتن و أصبحت السفينة جاهزة للإبحار مرة أخرى.

 

في مارس انطلقنا مرة أخرى, في البداية توجهنا شرقنا. مارين بجزيرة مدغشقر. أستمرينا إلى شمال الجزيرة, و عندها بدأت الرياح تقوى, لذا كانت رحلة صعبة. لمدة 20 يوما أبحرنا ضد الرياح. بمشي ببطء حتى هدأ البحر و الرياح في النهاية.

 

قلت للكابتن ذات صباح:" أنا سعيد بأن الرياح قد توقفت".

 

لم يقل الكابتن شيئا دقيقة نظر بشدة إلى السماء و قال "أستمتع بهذا حيثما تستطيع. علينا أن نحضر أنفسنا لعاصفة كبيرة.

 

سألته "كيف عرفت؟" 

 

فقال:" لقد مررت بظروف مثل هذا من قبل, أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة".

 

كان الكابتن محقا. فبعدها بيومين ضربتنا بالفعل عاصفة كبيرة و التي أتت من الجنوب. أنزلنا بعض من الأشرعة و فعلنا كل ما نستطيع للتحكم في السفينة, لكن العاصفة قادتنا إلى الشمال الشرقي, حتى أن أكثر البحارة خبرة لم يعرفوا أين كنا. لحسن الحظ أن سفينتنا كانت قوية بعد التصليحات, و أمدادنا من الطعام كان جيدا. مشكلتنا الوحيدة كانت أننا لم يكن معنا الكثير من الماء العذب. قررنا أن نستمر في الاتجاه الذي أخذتنا إليه الرياح أفضل من أن نحاول إيجاد طريقنا في المسار المخطط له.

 

في يوم 16 يونيو, نادي بحار قائلا أنه رأى اليابسة عن بعد. بعدها بيوم كنا أقرب كثيرا و كنا جميعا نرى جزيرة كبيرة أو قارة عن بعد (لم نعرفها).و عندما أصبحنا أكثر قربا, رأينا خليج ضيق, لكن الكابتن لم يعتقد أنه كان عميقا بما يكفي لسفينتنا, لذا أنزلنا المرساة بالقرب من الساحل. و أمر الكابتن 12 رجل ليذهبوا للشاطئ في قارب صغير و

 معهم حاويات ليحاولوا إيجاد بعض الماء العذب. و إذا حصلنا عليه, سنستكمل رحلتنا في الحال.

 

بينما كان الرجال يحضرون القارب قلت للكابتن" أنا أحي زيارة البلدان المختلفة في رحلاتي, و أنا لست مشغولا اليوم.فهل أستطيع الحصول على أذنك أن أذهب مع الرجال"             

 

فقال الكابتن"بالطبع"                  

 

وصلنا في القريب إلى شاطئ رملي طويل, لكننا لم نرى أي أشخاص أو مياه عذبة. لذا قرر البحارة أن يمشوا بطول الشاطئ بحثا عن نهر صغير أو ينبوع. و بينما هم يفعلون ذلك, مشيت بمفردي حوالي مسافة كيلومتر بعيدا عن الشاطئ. هذا الجانب من الأرض لم يبدو ممتعا؛ لم يكن به أي أشجار وكان تقريبا جاف و مليء بالصخور. و لأنه لم يكن هناك الكثير لكي أراه, فقررت العودة للشاطئ.

 

و بينما كنت أقترب من الشاطئ مرة أخرى, رأيت البحارة بالفعل في قارب صغير, يجدفون عائدون إلى السفينة. لماذا كانوا يغادرون؟ هل من الممكن أن يكونوا قد نسوني؟ كنت على وشك أن أناديهم عندما رأيت فجأة شيء ما لم استطع تصديقه! عملاق ضخم كان يمشي في البحر نحو القارب الصغير بأقصى سرعة يستطيعها. كان القارب بعيدا لحد ما أمام العملاق. و الذي كان يمشي آخذا خطوات عملاقة, بينما كانت المياه تصل إلى ركبتيه. ثم توقف مدركا إنه هناك العديد من الصخور بين المكان حيث كان يقف و بين القارب, و اعتقدت أن القارب استطاع الهرب.

 

لم أنتظر لأرى ماذا حدث لهم, لكني هربت من الشاطئ خائفا أن يلتفت العملاق و يراني. و تسلقت تل صغير بقدر ما استطعت, و عندما وصلت لقمته ,جلست و نظرت لأرى ما أستطيع اكتشافه. كان الشاطئ خلفي فارغا, و لم أرى لا العملاق و لا القارب. كنت مندهشا أن أرى أمامي حقول عديدة, لكن الحشائش كانت طويلة جدا, ربما كان طولها ثلاثة أو أربعة أمتار.

 

نزلت من التل و مشيت في طريق واسع و خشن و الذي كان عابر لحقول مليئة بالقمح الذي كان طوله حوالي سبعة أمتار.كان القمح كويلا جدا لدرجة أنني لم أري شيئا خلفه, لذا قررت أن أنه من الأكثر أمنا أن أستمر في المضي قس الطريق خلال أحد الخقول. و بعد حوالي ساعة, وصلت أخيرا إلى نهاية هذا الحقل الضخم, انتهى الحقل إلى حائط كان طوله حوالي 40 مترا, و خلفه أشجار كانت أطول من ذلك. كان هناك عتبات على الحائط و لكن كان من المحال بالنسبة لي أن أستخدمهم لأن كل عتبة كان ارتفاعها متران.

 

كنت أبحث عن طريق من خلال هذا الجدار الهائل عندما رأيت عملاق آخر، من نفس حجم الشخص على الشاطئ.كان هذا الشخص يمشي بسرعة على الطريق نحو المكان حيث وقفت. شعرت بالرعب وركضت في حقل القمح للاختباء. شاهدته و هو يصعد العتبات بسهولة إلى الجزء العلوي من الجدار، حيث توقف. وقال شيء ما بصوت مرتفع كان مثل الرعد، و سرعان ما ظهر سبع عمالقة آخرون، كلا يحمل مناجل ضخمة. وملابسهم كانت أدنى من ملابس العملاق الأول، وفهمت أن الرجال كانوا يعملون لديه. أعطاهم العملاق الأول أمر فبدئوا في قطع القمح في الحقل حيث كنت أختبئ. حاولت الابتعاد عنهم في الحقل، ولكن كان من الصعب على المشي بسرعة أو بعيدا لأن النباتات كانت قريبة جدا من بعض.

 

   و في النهاية ، وجدت نفسي في جزء من الحقل حيث الرياح أو المطر قد دفعت النباتات بشكل مسطح . أدركت أنه ليس هناك مكان للذهاب إليه دون إن يروني، ولكن كنت أسمع العمالقة بالمناجل يتحركون أقرب وأقرب. كل قطع على القمح كان يصنع ضوضاء رهيبة، يله أخرى بينما القمح يسقط على الأرض. مع كل نبات يسقط، كان هناك مكان أقل يمكنني أن أختبئ.رقدت منهكا وفكرت في عائلتي المساكين الذين سيكونوا قريبا من دون أب و زوج. لماذا أتيت في هذه الرحلة؟ بعض أصدقائي قالوا لي لا تذهب. تذكرت يليبوت، وهو المكان الذي اعتقدت فيه أني كنت قويا جدا ومهما. والآن قد أكون ربما طعاما لعملاق هائل. أدركت أن ليس هناك ما هو كبير أو صغير إلا إذا قارنته مع شيء آخر. ربما هناك أرض أخرى حيث أن هذه العمالقة قد يشعروا بأنهم صغار وغير مهمين.

 

     فجأة رأيت أن أحد العمالقة يسير نحوي. و لم يرني, اعتقدت أنه شيء جيد حتى خفت انه بالتأكيد سيقف علي في أي لحظة، لذلك ناديت بصوت عال قدر استطاعتي: "! انظر أين أنت ذاهب"

 

توقف العملاق ونظر أولا لأعلى، ثم حوله، قبل أن ينظر إلى أسفل ويراني , اتسعت عينيه بدهشة كبيرة، لكنه في البداية لم يفعل أي شيء. بدا أنه يفكر فيما يجب فعله، كما فعلت عندما رأيت حيوان صغير و خطير أمامي. قرر بعد ذلك أن يلتقطني بعناية بأصابعه لينظر لي عن كثب.

 

فكرت بسرعة وقررت أن أسلم شيء بالنسبة لي هو أن لا أتحرك، على الرغم من أن أصابعه تؤلم ظهري, وأدركت أنني كنت على ارتفاع عشرين مترا فوق سطح الأرض. ثم نظرت إلى السماء وبدأت أصلي، قلق من انه سوف يلقي بي على الأرض "من فضلك، أبقني آمن ولا تدعه يسقطني!"

 

لحسن الحظ أن العملاق بدا عليه الساعة و الدهشة أيضا أنني أتحدث, بالرغم من أنه بدا واضحا أنه لا يفهم ما قلته.

 

صرخت قائلا:" أنت تؤلم ظهري: إذا كان يجب أن تمسكني، أمسكني بلطف!" وأشارت إلى ظهري وبدا أنه فهم. وضعني بعناية في جيبه وجرى للعثور على سيده، والمزارع الذي كنت قد رأيته في وقت سابق. كان الجيب مظلم ودافئ، ومن حسن الحظ أنه لم يكن غير مريح.

 

عندما توقفت العملاق, رأيت زوج من العيون الكبيرة جدا تنظر إلي. كان المزارع ينظر إلي داخل جيب الرجل ولوح للعمال الآخرين للنظر إلى أيضا. بدا أنه سألهم ماذا أكون. بعد ذلك، أخذي العملاق من جيبه وضعني على الأرض و شاهدوني جميع في ذهول وأنا أمشي ذهابا و إيابا لأريهم أني لن أهرب. خلعت قبعتي وانحنىت إلى المزارع.

 

 قلت "أنا سعيد برؤيتك يا سيدي الطيب" و أخذت حقيبة من العملات الذهبية من جيبي. "أستطيع أن أعرض عليك بعضا من هذه العملات  إذا كنت ستحافظ علي آمنا".

 

أن أعيد القطع النقدية مرة أخرى. تحدث أيضا إلي، ولكن صوته كان مدويا لدرجة أنه آلم أذني.حاولت الإجابة بصوت عال بقدر الاستطاعة، ولكن على الرغم من أنني تحدثت بالعديد من اللغات المختلفة، لكن لم نستطع أن نفهم بعضنا البعض. وأخيرا، قال المزارع للعاملين لديه أن يعودوا للعمل وأخذ من جيبه منديل هائل. ثم التقطني و  وضعني داخل المنديل الناعم و استخدمه في حملي للمنزل ليريني لزوجته.

 

لم تكن الرحلة طويلة، ففي وقت قصير شعرت العملاقة يفتح المنديل لكي يمكن لزوجته أن تراني، لكنها صرخت على الفور مثل الطفل الذي رأى عنكبوت كبير. ضحك زوجها وأظهر لها أنني يمكنني الوقوف

 والتحدث وأنه ليس هناك شيئا تخاف منه، فنظرت زوجته لي ببطء باهتمام.

 

في وقت لاحق من ذلك اليوم، وصل خادم يحمل أطباق من الطعام لإطعام عائلة العملاق: زوجته، أولاده الثلاثة وجدتهم.وضعني المزارع بجانبه على الطاولة، ولكني كنت قلقا جدا أن أقع لأن ارتفاع الطاولة كان لا يقل عن عشرة أمتار. ثم وضعت لي الزوجة بعض الخبز واللحوم على طبق. لحسن الحظ كان معي سكيني وشوكتي في جيبي وأخذتهم لتناول الطعام، و فرح الأطفال جدا بهذا.

 

ثم أعطوني بعض الماء في كأس كان كبيرا جدا لدرجة أنني وجدت صعوبة في رفعة.

 

صرخت قائلا بصوت عال قدر ما استطعت "شكرا لكم، فقد كنت عطشان جدا و ماءكم جيد جدا للشرب،". فضحكوا عندما سمعوني أتحدث بصوت عال آلم أذني. ثم سقطت على قطعة من الخبز، مما جعلهم يضحكون أكثر.

 

بدا أبن المزارع، الذي كان عمره نحو عشرة سنوات، مهتما جدا بي. فالتقطني وأمسكوا بي من ساقي عاليا جدا في الهواء و فشعرت بالرعب أن أقع. لكن والده سرعان ما أخذني من ابنه و وضعني مرة أخرى على الطاولة، قائلا شيء ما بغضب للصبي. خفت من أن ابنه لن يحبني بعد هذا، لذلك و من خلال الإشارات حاولت أن أقول للمزارع

ألا يعاقبه و أن يكون ودود معه.ويبدو أن المزارع فهم وابتسم لابنه.

 

    فجأة سمعت صوتا خلفي كأنه آلة غريبة. ظهرت قطة، الذي كانت ثلاثة أضعاف حجم البقرة. عادة أنا أحب

 الحيوانات، وأعرف أنهم عادة لا يهجموا إلا إذا كنت خائفا منهم، لذلك شاهدتها بعناية ثم مشيت أمامها ذهابا و إيابا

. وقد كنت على حق. فلم تبدو مهتمة بي على الإطلاق،و سرعان ما مشيت بعيدا.

 

وكان أكثر مدعاة للقلق بالنسبة لي عندما رأيت امرأة شابة تحمل طفلة رضيعة في الغرفة. وكانت الطفلة أكبر بكثير من فيل، وحالما شاهدتني ، أشارت إلي وأرادت بوضوح أن تلعب بي، ربما كانت تعتقد أني لعبة صغيرة. التقطتني الأم وأمسكتني بالقرب من الطفلة و التي أخذتني بسرعة في يدها.

 

لقد كنت مع عائلة العملاق لبضع ساعات وكان من دواعي سروري أنني لم أتضرر بسبب العمالقة البالغين أو من قبل صبي عملاق عمره عشر سنوات ، وحتى القطة العملاقة لم تهتم بي, ولكن ملئني الخوف من العملاق الرضيع لأنني لم أكن أعرف ما سوف تفعل بعد. لقد وجدت بسرعة أنني كنت على حق في قلقي لأني رأيت الطفلة على وشك أن تضعني  في فمها الهائل.

 

صرخت بأعلى صوتي "لا تضعيني في فمك أرجولي", لكن هذه لم تكن فكرة جيدة. كانت الرضيعة مندهشة جدا لسماعي أصرخ لدرجة أنها أسقطتني كما لو كنت صخرة ساخنة

  لقد كنت على ارتفاع لا يقل عن 10 أمتار من الأرض و بدأت أسقط سريعا باتجاه أرضية المنزل الصلبة.

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

رحلات جاليفر

Gullivers' Travels

  • White Instagram Icon

© Copyright 2017 by Mr Ahmed ElMasry.

Contact Us

Tel: +201275988716

Email: MrAhmedElmasry.edu@gmail.com

Address

Aswan Street

Portsaid, Egypt

bottom of page